9 أبريل 2023

يوميات رمضانية (6).. هذا ما حدث في جمصة!

كلما ذُكرت كلمة جمصة تنتابني القشعريرة وأشرد بخيالي عائدا إلى الزمن الجميل واللمَّة الحلوة، عندما كان أبي الراحل - رحمه الله- يأخذنا في رحلة إلى تلك المدينة البسيطة التي هي «مصيف الغلابة» والتي تقع في محافظة الدقهلية التي تنتمي إليها أمي الراحلة - رحمها الله.

كان الطريق إلى جمصة يبدأ إما من مسكننا في السيدة زينب، أو أثناء زيارتنا لأقاربنا في الدقهلية، نذهب مستقلين أتوبيس يضم عددا من موظفي الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وعائلاتهم، حيث كان أبي يعمل كهربائيا بالجهاز قبل خروجه للمعاش في عام 1998، وكنا نذهب إلى مصيف تابع للجهاز.

كم كانت الأجواء في أتوبيس جمصة كلها ود ومرح واحترام متبادل بين هذا الكم من العائلات المتباين فكريًا واجتماعيًا، أحاديث كثيرة كانت تدور عن «العيال في سنة كام؟.. واتفضل ساندوتش حلاوة طحينية.. وكوباية مية ساقعة من الكولمان».. ولا بأس من بعض النكت.. أيام ما كان فيه نكت وكانت النفوس بسيطة وراضية.

الشقق التي كنا نستقر فيها بمصيف جمصة كانت «بين البينين»، فلا هي بالفارهة الوثيرة المترفة ولا هي بالبائسة المقفرة المقرفة، وإنما كل شيء فيها كان آدميًا ومؤديًا لأغراضه على أكمل وجه، وأذكر أن الشقة كان فيها شمسية وكرسيين للشاطئ، وكانت هناك حديقة جميلة ما زلت أذكر رائحة ورودها، أمام العمارة التي تحوي عددا من الشقق التي استقر فيها موظفو الجهاز بعائلاتهم.

كنا نحضر معنا في رحلة جمصة الكوتشينة والدومينو ونلعب لعبة «الشايب وأحكامه»، وكم كانت أحكام أبي كوميدية مضحكة، كأن يقول للمحكوم عليه «قول أنا قرد» أو «اعملنا طقم شاي» أو «لف لفة في الشقة كلها»، وكنا نجلب معنا أيضا ترمس الشاي الذي يحتفظ بحرارة السوائل بداخله لنشربها على البحر.

وأتذكر ذلك البيت البسيط الصغير الذي بنيته على الشاطئ عن طريق قالب الرمل داخل الجردل وحفرت ثقوبًا به وكأنها نوافذ وأبواب، واشترك معي أخي ومجموعة من أبناء أحد زملاء أبي، وما زلت أتذكر «أم الخلول» و«الخد الجميل» والدرة والبطاطا والجيلاتي والمشبك، وخروجة المساء في شوارع جمصة، والترسة التي رأيتها تسبح في طست عند أحد المحال.

في نهاية الرحلة دائمًا ما كنت أتمنى أن تعود إجازة الصيف سريعًا مرة أخرى بعد زحمة المدارس التي تخطفنا من هذه الرحلة الجميلة في جمصة.

30 مارس 2023

يوميات رمضانية (5).. سيبها على الله وتوكَّل

في رمضان وفي غير رمضان، دستورنا في الحياة وشعارنا هو «سيبها على الله»، هذه العبارة صغيرة المبنى عظيمة المعنى، التي تحمل في طياتها ومعناها التسليم والاعتراف والإيمان بقدرة الله العظيمة، وفي الوقت ذاته تحمل التواكل والتقاعس والتكاسل إذا لم نحسن فهمها واستخدامها.

إن الأنبياء أنفسهم أدركوا المعنى الصحيح للتوكل على الله حق توكله فرزقهم كما يرزق الطير، كانوا يعملون ويأخذون بالأسباب ويجتهدون، ولا يجلسون مكتوفي الأيدي في قضاء حوائجهم بل وحوائج أهلهم وأقوامهم، فها هو نبي الله نوح يبني السفينة بنفسه رغم سخرية قومه منه، ونبي الله داود يصنع الدروع، ونبي الله موسى يضرب بعصاه البحر فينفلق شطرين وينقذ قومه من بطش فرعون، ومسك الختام النبي محمد رسول الله كان يعمل بالتجارة ورعاية وتربية الأغنام ويدعو إلى الله ويرعى أهل بيته، ويقود بنفسه الغزوات للدفاع عن الأمة الإسلامية والمستضعفين من بطش الباطشين وأعداء الدين، والكثير والكثير من قصص الأنبياء والمرسلين.

هل كان للسفينة أن تُبنى وحدها؟، أو الدروع تصنع بدون عمل؟، أو البحر ينفلق دون تدخل؟، أو ينتصر المسلمون في غزواتهم دون قائد يشد من أزرهم؟.. كان من الممكن -بقدرة ومشيئة الله- أن يحدث كل هذا دون جهد من الأنبياء الذين هم أطهر الخلق.. ولكن الله يعطي درسًا للبشرية بضرورة السعي والأخذ بالأسباب والتحرك ولو بقليل من الخطوات والمجهود.

لطف الله وكرمه حاضر دائما، وأرزاقنا مكتوبة منذ أن أوجدنا الله في بطون أمهاتنا، ولكن السعي مطلوب أيضا وشرط ضروري لإتمام وقضاء الحاجة.

إن مصطلح «سيبها على الله» نحتاج إلى التعامل معه بشيء من الحيادية، فلا نتقاعس ونتكاسل ونحن نطلب أرزاقنا وحوائجنا وفي الوقت ذاته نكون مؤمنين إيمانًا تامًا بأن الله لن يتخلى عنا أبدًا وسيدبِّر ويختار لنا كل خير إذا أحسنا الظن به والتوكل عليه.. «سيبها على الله وتوكَّل».

27 مارس 2023

يوميات رمضانية (4).. أنا برضه من السيدة

وُلدت وقضيت عمري حتى الآن في حي السيدة زينب العريق بالقاهرة، فقد وُلدت لأب من هذا الحي العريق أبًا عن جد، أما والدتي- رحمها الله- فهي من ريف محافظة الدقهلية ولكنها قضت نصف عمرها في السيدة زينب، وبهذا أجمع في جيناتي بين جدعنة وشهامة الحي الشعبي وبساطة وطيبة الريف المصري.. وأتمنى فعلا أن أكون متحليًا بهذه الخصال.

حي السيدة زينب نشير إليه فقط بـ«السيدة» وليس «السيدة زينب» تكريمًا لمقام هذه السيدة الكريمة الطاهرة، وتأكيدا على تميز هذا الحي وشهرته بالمقارنة بغيره من الأحياء التي تبدأ بـ«السيدة» مثل «السيدة نفيسة والسيدة عائشة».

لا أعرف ما سر ربط حي السيدة زينب بالبلطجة و«الشبحنة» والجريمة؟.. هل ساهمت في ذلك بعض الأعمال الفنية وأخطاء البعض الذين استعانوا بالبلطجية في زمن من الأزمان؟.. بحكم أنني أعيش في هذا الحي أقول نعم في وقت من الأوقات كان هناك بعض الأسماء المرعبة والخناقات الكبيرة والعائلات والنفوذ في حي السيدة، ولكن ولأن دوام الحال من المحال فالأمور الآن صارت هادئة كثيرا عن الماضي، وهناك الكثير من المحترمين والمرموقين الذين يعيشون في هذا الحي العريق منذ زمن طويل. 

أتذكر قديما أحد العناصر الخطرة كان يدخل أجدعها فرح ويقلبه على مزاجه، ويتحكم في الدي جي، فيأتمر الغلبان المسؤول عن الدي جي بأمره ويشغل لهذا «الشبيح» ما يريد من أغانٍ، ويجلس صاحب الفرح لا حول ولا قوة له، في حين أنني وخمسة آخرين نشعر بحالة عجيبة تجمع بين الحزن والغضب والكوميديا!!

هذه هي سلبيات حي السيدة والأحياء الشعبية التي تركز عليها بعض الأعمال الفنية، وتغفل الإيجابيات الموجودة هناك، مثل احترام الكبير وثقافة «لما عم الحاج يعدِّي كله يوقَّف لعب يهدِّي»، وأيضا ثقافة التكافل الاجتماعي وعطف المقتدر والغني على الفقير المحتاج، وثقافة التدين الموجودة هناك بحكم أن السيدة منطقة دينية قبل أن تكون شعبية، كما أنها منطقة ترفيهية، حيث إن فيها الكثير من المطاعم والمحال الشهيرة التي يمكنك التسوق وقضاء وقت رائع فيها، كما أن الكثير من المشاهير نشأوا وترعرعوا في السيدة مثل شيخ الملحنين سيد مكاوي ولاعب الأهلي مختار التتش ولاعب الزمالك عبده نصحي، وغيرهم الكثيرون، وإيجابيات أخرى كثيرة في حي السيدة، بجانب أن السلبيات التي ذكرتها أصبحت شبه منعدمة بسبب تغير الأشخاص أو حتى زوالهم.

إن الجريمة والبلطجة ظاهرة سلبية موجودة في جميع أنحاء العالم، حتى في أرقى الدول وأكثرها تقدمًا، وليس فقط في الأحياء الشعبية، ولكن بعضنا ينظر إلى نصف الكوب الفارغ دون اجتهاد أو مواكبة للتغيرات والتطورات التي تحدث، والمسؤول الأبرز عن ذلك كما ذكرت هو بعض الأعمال الفنية التي اتخذت من هذه السلبيات «سبوبة دائمة» على حساب استمرار تشويه الآخرين.. فيا أيها الفنانون والإعلاميون ويا أيها الناس توقفوا عن هذه النمطية وكونوا حياديين وواقعيين بالله عليكم!

26 مارس 2023

يوميات رمضانية (3).. شكرًا من هنا لبكرة

كنت في إجازتي الأسبوعية بالأمس، دعاني أخي للإفطار في بيته، من منطلق أن رمضان شهر اللمة، ركبت خلفه على الموتوسيكل، وانطلقنا، وكم كان بعض الطريق غير ممهد، وشعرت بأننا نلعب لعبة «بيبسي مان» التي كنا نلعبها على البلايستيشن قديما، وتعتمد على تفادي الحفر والحواجز والأفخاخ!!

وفي هذه الساعة من اليوم تحديدا تتحول السيارات إلى أسراب وقطعان تسير بشكل متزاحم وسريع من أجل الوصول للمنازل في أسرع وقت وتناول الإفطار، والحكيم في هذه اللحظات هو من يكظم غيظه ولا يشتبك مع واحد من هؤلاء المتسرعين المتزاحمين حتى يمر اليوم بسلام.

وازدادت مهمتنا صعوبة عندما توقفنا عند بعض المحال والمطاعم لشراء بعض مستلزمات ومأكولات وجبة الإفطار، فتحميل شخصين، فضلا عن بعض المستلزمات على موتوسيكل واحد، هو شيء صعب نسبيًا، ولكن قيادة أخي للموتوسيكل بشكل جيد ومرن لعبت دورا في إنجاز المشوار والوصول إلى البيت.

في البيت جلسنا في انتظار أذان المغرب، وقد تراصت حولنا أكواب التمر والسوبيا في انتظار اللحظة المنتظرة.. لحظة الإفطار، وكم كانت لحظات رائعة سادتها الأجواء العائلية الممزوجة بطعم رمضان واللعب مع أطفال أخي، وفعلا كما قال حسين الجسمي «رمضان في مصر حاجة تانية والسر في التفاصيل»، والحقيقة أنني لم أجرب رمضان خارج مصر لأنني لم يكن لي حظ من السفر إلى أي بلد.

في نهاية اليوم ذهبت مع أخي في زيارة خاطفة وسريعة لابنة عمتنا، ثم أصر أخي على توصيلي إلى مقر عملي حيث كان عندي شيفت سهرة، وركبنا الموتوسيكل ونزلت عند باب الشغل، وتأكدت أن فعلا «في حياتنا ناس هما الأساس»، ووجدتني أقول عبارة عمرو دياب في إعلانه الرمضاني الجديد «شكرا من هنا لبكرة»!!

24 مارس 2023

يوميات رمضانية (2).. فين قهقهة الضحكات؟

بعد أن تناولت السحور بالأمس، وقرأت وِردًا من القرآن الكريم، عدت إلى عالم الدنيا وجلست أمام شاشة الكمبيوتر بحثا عن مسلسل كوميدي يقتل مرارة وعبء ضغوط الحياة اليومية، ولأستعيد زمن الضحكة الحلوة بتاع زمان.

شاهدت حلقتين من مسلسلين، لن أذكر اسمهما حتى لا يكون الأمر وكأنه موجه مع أو ضد هذين المسلسلين، ولم تصدر مني قهقهة واحدة، أو قهقهة الضحكات كما قال الفنان أحمد سعد!!.. الحقيقة كنت طمعانا في أي قهقهة ولكن اكتفيت بابتسامة أمام كل محاولات الإضحاك و«الزعيق» والإفيهات شبه المكررة والتي نستعملها في حياتنا اليومية دون مسلسل أو يحزنون.

بالكاد ارتسمت على شفتي ابتسامة، فحمدت الله أنني حصلت على نصيبي من السعادة، وتساءلت «ما الذي حدث؟.. لماذا لم أقهقه؟.. هل أصبح دمي ثقيلاً ولا يعجبني شيء؟.. أم أن المشكلة في العمل الفني المقدم؟»، ولكنني وجدت شبه إجماع على حالة الفقر الكوميدي التي نعاني منها حاليا!!.. ومع ذلك ما زلت غير متأكد ولا أعرف هل هو فعلا «فقر كوميدي» أم العيب فينا نحن المستمعين والمشاهدين؟، وأننا متسرعون أو طماعون أو ربما ظالمون في حكمنا على هؤلاء الممثلين!!

قديما كان هناك برنامجان للمقالب، واحد اسمه «الكاميرا الخفية» للفنان الراحل إبراهيم نصر وكان يذاع بعد الإفطار في رمضان، والثاني اسمه «إديني عقلك» كان يذاع أثناء السحور، وأتذكر أن والدي-رحمه الله- كان يقهقه ضحكا حتى يسعل وهو يشاهد هذين البرنامجين، وأيضا والدتي -رحمها الله-كانت تقهقه ضحكا حتى تضيق عيناها وتدمعان أحيانا، ولأن الضحك معدٍ فكنت أضحك أنا الآخر، ليس فقط على ضحك والدي ووالدتي ولكن لأن تلك الأعمال الفنية كانت بسيطة ومفهومة ومباشرة.

إن الضحك من الأشياء العظيمة التي خلقها الله في حياتنا «وأنه هو أضحك وأبكى»، الضحك الذي يستهدف إسعاد الناس دون تنمر أو سخرية أو استهزاء من أحد أو أي خروج عن الآداب.

البعض يرى أن نشر الضحك والكوميديا أصعب بكثير من نشر البكاء والتراجيدي، فيا عزيزي الكوميديان أنت أمام مهمة احترافية صعبة، إما تكون «قدها وقدود» وإما أن تنسحب مشكورا.. وأيضا يا عزيزي المشاهد احصل مؤقتا على نصيبك من السعادة وأنت راضٍ حتى ولو كانت مجرد ابتسامة وليست «قهقهة الضحكات»!!

23 مارس 2023

يوميات رمضانية (1).. ثنائية الفطار والشغل

يرتبط شهر رمضان بالعديد من المميزات والسمات التي تميزه دون سواه من شهور السنة، فبجانب أنه شهر القرآن والعبادات والحسنات والخير والرحمة، هو أيضًا شهر القوة والتحمل، وكما نعلم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، كما قال رسولنا الكريم، ومن هذا المنطلق كتب القدر على الكثيرين أن يتناولوا إفطارهم في العمل سواء أول يوم رمضان فقط أو بعض أيام رمضان أو طوال أيام الشهر الكريم.

والحقيقة أن تناول الإفطار في العمل ليس تكديرا ولا «استقصاد» ولا حاجة من هذا القبيل.. بل يمكن أن نعتبره تغييرا وتجديدا في نمط الحياة التقليدي الروتيني المعتمد على تناول الطعام في البيت، وإحياء لميزة أخرى من مميزات رمضان والتي تميز روح رمضان عن روح أي شهر آخر وهي روح «اللمَّة» وتقوية الروابط الاجتماعية مع الزملاء، وأيضا استحضار لروح «المحارب على الجبهة»، فأنت في جبهة العمل الذي تمارسه من أجل خدمة الآخرين وسعادتهم تضحي بوقتك وسعادتك بين أسرتك لتقضيه في ضغوط العمل متناولا إفطارك بمنتهى الصبر والرضا.

ويا سلام لو اجتمعت حولك مجموعة من الحيوانات الضالة البريئة المسكينة وأنت تتناول إفطارك في عملك فتعطف عليها وتعطيها «العظم» أو بواقي الطعام فتفوز برضا الله، وتحصل على حسنات تصلك إلى موقعك دون تعب منك أو مجهود في وقت نحن أحوج فيه إلى رضا الله.

باختصار، نحن نستطيع أن نرى الجمال والبساطة في أصعب الأشياء والمواقف، وأن نستخرج المميزات والإيجابيات من باطن المعاناة، وأن نواجه صعوبات الحياة وتحدياتها بابتسامة رضا ونفس متصالحة سالكة مع الحياة.. وكل رمضان وأنتم سالكون وراضون وصامدون.

4 يناير 2023

الدولار والإنذار

لا صوت يعلو الآن فوق صوت الدولار.. تلك الورقة الخضراء التي تواصل صعودها دون ضابط أو رابط.. ومع هذا الصعود المخيف تزداد المعاناة بين الناس، حيث إن معظم عملات واقتصاديات العالم- إن لم تكن جميعها- مرتبطة بالدولار الذي يدخل في عمليات الاستيراد والتصدير حول العالم، وهنا نطرح سؤالًا مخيفًا؟.. هل بذلك سيصبح الدولار هو العملة الوحيدة للعالم ويلغي ما دونه من عملات؟!!

إن زيادة سعر الدولار تهدد بدورها بارتفاع مستمر في أسعار السلع والخدمات- التي هي مرتفعة أصلا- وهذا بدوره يشكِّل ضغطًا خانقًا على المواطنين - الذين هم مضغطون ومخنوقون أصلا- وهذا ينذر بكارثة لا يعلم مداها ولا نتائجها إلا الله!!

إذن ما الحل؟.. هل المطلوب من كل مواطن أن يبحث عن وظيفة تدر عليه دخلًا بالدولار حتى يستطيع مواكبة هذا الكابوس؟.. هل المطلوب مثلا أن نحسب كم تساوي دخولنا بالجنيه مقابل الدولار؟ وبالتالي نكتشف هل نحن بذلك من الأحياء أم من «الأموات الأحياء»؟

إن المسؤولين عن زيادة سعر الدولار كثيرون، سواء البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بزيادته المستمرة لسعر الفائدة في محاولة منه لوقف تضخم العملة وركود الاقتصاد الأمريكي، أو المتحاربون في روسيا وأوكرانيا وما له من تأثير بالغ على السوق العالمية وخصوصا قطاعي الطاقة والغذاء، حيث يتحكم البلدان المتحاربان في نسبة كبيرة من هذين القطاعين، سواء النفط أو القمح، وكذلك الحكومات المحلية التي تقف موقف المتفرج بل وأحيانًا المشارك في الأزمة بقراراتها التي يغيب عنها المنطق والتوفيق أحيانًا.

إن الانحياز إلى المواطنين بات هو الحل الأمثل الآن في هذه الأزمة الخانقة، ويجب أن تعمل الحكومات فورًا على هذا، بزيادة حقيقية في الرواتب وتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير فرص عمل تدر دخولا لائقة على المواطنين ومراقبة الأسواق وخاصة السوداء منها التي لا تعرف إلا لغة الجشع والتربح دون رحمة أو هوادة، ويجب أيضا زيادة الصادرات لتوفير سيولة نقدية من العملة الصعبة وأن يكون لنا ولمنتجاتنا تواجد حقيقي في الأسواق العالمية.. الحلول كثيرة وبات البحث عنها وتحقيقها ضروريًا.. هذا إن أردنا تجنب هذا الإنذار الذي يوجهه لنا الدولار.. وإلا سنصل إلى أسوأ كابوس يطاردنا.. الانهيار!!

28 ديسمبر 2022

لن نموت مقهورين!

في ظل الظروف الاقتصادية العالمية التي تعاني منها جميع شعوب الأرض، أصبح الوضع صعبًا وخطيرًا، فالغلاء وجد طريقه إلى كل شيء وأي شيء، سواء أكثر الأشياء أهمية أو حتى أكثرها تفاهة.. أو كما يقولون «من الإبرة إلى الصاروخ»، أصبح الجميع في حالة سباق من أجل الحياة.. وكلما جاءت زيادة في الرواتب والأجور لحقت بها زيادة أخرى في الأسعار!

ولكن الأصعب والأخطر هو أن يتجه البعض لزيادة صعوبة الصعب، ووضع الحواجز والعراقيل أمام ما يحتاج إلى تيسير وتذليل وتسهيل، فواجب على الحكومات أن تتدخل لحماية المواطنين من هذا الغلاء، فإذا لم تستطع التدخل - بحجة أن الغلاء أزمة دولية والعالم أصبح «قرية صغيرة» منفتحة على بعضها- فيجب ألا تكون الحكومات هي الأخرى عبئًا على المواطن بقراراتها ورؤاها التي أحيانًا تحمل «علامات استفهام»- وهذا هو أقل تعبير وأكثر العبارات أدبًا- لن نقول إنها قرارات غير إنسانية أو تفتقد إلى المنطق أو ربما تقتل المواطنين قهرًا وغيظًا وكمدًا!!

إن مساس الحكومات بالاحتياجات الأولية للإنسان، مثل المأكل والملبس والمسكن وحق الزواج وتكوين أسرة، خطر كبير ولعب بالنار يهدد الأوطان والشعوب ويضعها على حافة الهاوية، إن مثل هذا العبث هو بمثابة «شهادة وفاة» تكتبها الحكومات لنفسها وربما لأوطانها وشعوبها أجمع.

إن الحكمة والإنسانية والإحساس بهموم الناس هو طوق النجاة في هذه الأزمة العالمية، ولا يجب أبدًا أن تعتقد الحكومات اعتقادًا خاطئًا أن كل الناس أغنياء وقادرون على عبور هذه الأزمة، فالحياة اليومية أصبحت صعبة على الجميع.. يوميًا يسأل المواطن نفسه «ماذا سآكل اليوم أنا وأسرتي؟»، فتكون الإجابة ببساطة «دفع الكثير من الأموال لتحقيق هذا الغرض الحياتي الأولي البسيط»!!

إن محاولات الضغط على المواطنين واستفزازهم في إطار هذه الأزمة العالمية الخانقة التي زادت حدتها مع الحرب الروسية الأوكرانية، هذه المحاولات لن تنجح لأن عواقبها خطيرة جدًا وبمثابة «قنابل موقوتة».. إن شعوب العالم ستبقى صامدة أمام هذا التحدي والاستفزاز الكبير.. لن نموت مقهورين!!

7 سبتمبر 2022

مصادر السلام النفسي

منذ أن كنت طالبًا أدرس الإعلام وإلى أن أصبحت صحفيًا أعمل في هذا المجال وأنا أسمع كلمة «مصادر»، فأصبحت الكلمة صديقة أذني ورفيقة دربي وخاطري.. منذ أن وقف الأستاذ في مادة «فن صياغة الخبر الصحفي» وهو يسألنا قائلًا: «حد عارف بنجيب الخبر منين؟»، وحتى في مادة التشريعات الإعلامية التي كان يدرسها لنا المرحوم الدكتور كمال القاضي الذي كان يعمل لواء شرطة سابقًا، وهو يسألنا: «حد يعرف بنجيب القانون منين؟».. والآن أنا وكثيرون نسأل: «حد يعرف بنجيب السلام النفسي وراحة البال والتصالح مع الذات منين؟».. كيف نواجه الحياة بقسوتها وتقلباتها؟.. كيف تتعامل مع الرفض والكره من البعض؟.. سنحاول معا البحث عن إجابات هذا الأسئلة و«مصادر السلام النفسي» التي أصبحت «مادة مقررة» هذه الأيام!!

مبدئيًا، من أهم شروط ومتطلبات السلام النفسي، هو الإيمان واليقين التام بزوال هذه الدنيا.. كلنا سنغادر هذه الدنيا يومًا ما، هذه الدنيا التي نرتدي فيها جميعا قفازات ملاكمة ونخوض صراعات زائلة مع بعضنا البعض فيها هي مجرد محطة.. امتحان.. لا تستحق كل هذا العناء والغِل والقسوة.. هذا ما أقصده.. وبالطبع لا أقصد إطلاقًا أن نكون سلبيين أو منبطحين أو ضعفاء، ولكن دعونا نكون لطفاء ونرفع إنسانيتنا فوق مصالحنا، فالسيرة باقية والمصلحة زائلة.. أي والله زائلة!!

السلام النفسي يأتي من القناعة، والاقتناع بأنك قادر على العطاء والتميز في أي موقع، كبيرًا كان أو صغيرًا، بأنك تمتلك ما ليس عند غيرك، أو على الأقل تسعى لذلك.

أن تكون تاجرًا للسعادة أو مانحًا لها بلا مقابل، فلا تفارق ابتسامتك شفتيك، ولا يغيب التسامح والعفو عن قلبك، فإن لم تستطع فاعتزل ما ومَن يؤذيك دون أن تؤذيه أنت فتنساق نحو دائرة جهنمية أولها غِل، وأوسطها مكائد ومؤامرات، وآخرها هلاك والعياذ بالله.

قربك الدائم من الله هو المصدر الأساسي لهذا السلام النفسي، ففاقد الشيء لا يعطيه كيف ستتمتع بالسلام النفسي وأنت بعيد عن «السلام» سبحانه وتعالى؟!!

يجب أن تعلم تمامًا أنه لا يوجد أحد عليه إجماع، بالتأكيد ستجد من يحبك ومن يكرهك أو لا يتقبَّلك، فتقبَّل أنت هذا، وإياك أن تسعى للكيد والانتقام.. إما أن تغير فكرة الكارهين عنك أو أن تتجاهلهم تمامًا.

تعامل مع الرفض أو عدم تحقيق هدف ما أو مصلحة ما على أنه «رُب خير لم تنله كان شرًا لو أتاك»، لا أحد يعلم أين الخير وأين مصلحة العبد إلا الله سبحانه وتعالى، وبالتأكيد الله يختار لك الأفضل والأنسب دائما حتى لا تشقى فيما بعد.. طالما أنت قريب من الله فهو لن يخذلك ولن يترك سلامك النفسي والحياتي يتعرض لأي خطر حتى لو سعيت أنت نحو هذا الخطر دون أن تدري.. ستجد الله دائما ينقذك وينجيك.

27 مايو 2022

كافي غيري شري

من منا يبقى كما ولدته أمه نظيفا خاليا من العيوب والخطايا؟.. كبرت أم صغرت عيوبه.. لا أحد بدون عيب.. ولا يوجد أحد لا يرتكب أخطاء، فنحن لسنا بملائكة ولا أنبياء؟.. ولكن هل هذه القاعدة هي مبرر للخطأ؟.. أي خطأ؟.. حتى وإن كان جريمة بشعة؟.. الأمر إذن يستحق نقطة نظام وتوضيح وتصحيح المفاهيم.

إن الكمال والنزاهة والشرف هي أهداف يطمح كل إنسان سوي إلى تحقيقها، تماما مثل قيم الحق والخير والجمال التي يبحث عنها الفلاسفة، ولكن رحلة الحياة حافلة بالابتلاءات والمغريات التي معها يسقط الإنسان مرة أخرى في وحل الخطايا والعيوب إلا مَن رحم ربي.. فأين الحل إذن؟.. وكيف «تتعايش» مع عيوبك و«تروِّضها» إذا لم تستطع التخلص منها نهائيا؟

جرب أن تعيش «كافي غيرك شرك» كما يقولون، نعم هي «كافي غيري شري» وليس «كافي خيري شري»!!.. بمعنى أن تحاصر عيوبك ولا تجعلها تمتد للآخرين فلا يتأثرون بها ولا يتضررون منها، فإذا كنت مدخنا شرها فلا تدخن في مكان يتأذى أهله من التدخين، وإذا كنت عصبيا فحاول ألا تخرج غضبك في وجه أحدهم ومارس نوعا من الرياضة مثلا التي تستطيع من خلالها إخراج ما بداخلك من طاقة، إذا كنت بخيلا فلا تأمر الناس بالبخل، راقب أحوال الدنيا التي كل يوم يموت فيها الآلاف من الناس، وتأكد بأن المال وغيره من مغريات الدنيا لا ينفع ولا يبقى فستكتشف تدريجيا أن البخل والتمسك بالمال هو سذاجة كبيرة، وقِس كل هذه الأمثلة على غيرها من «العيوب»، أما «الجرائم» فلا مكان لها فيما ذكرته من أمثلة لأنها تقع تحت طائلة القانون والعقاب وليس مجرد العلاج الذاتي والنفسي.

إن محاصرة عيوبنا وجعل ضررها مقتصرا على أنفسنا هو الطريق الأول للتخلص منها، لأنك إذا اكتويت بنارها وبآثارها الضارة بالتأكيد ستتوقف عنها، لأنك ستسأل نفسك سؤالا «إذا كنت أنا لا أتحمل نفسي وعيوبي، فكيف إذن سيتحملني الناس؟.. هل سأعيش إذن في جزيرة منعزلة وحيدا وبعيدا عن الناس؟»، فلتبدأ إذن رحلة العلاج لعيوبك وكن على يقين بأنك ستصل وستنجح في النهاية.