28 ديسمبر 2022

لن نموت مقهورين!

في ظل الظروف الاقتصادية العالمية التي تعاني منها جميع شعوب الأرض، أصبح الوضع صعبًا وخطيرًا، فالغلاء وجد طريقه إلى كل شيء وأي شيء، سواء أكثر الأشياء أهمية أو حتى أكثرها تفاهة.. أو كما يقولون «من الإبرة إلى الصاروخ»، أصبح الجميع في حالة سباق من أجل الحياة.. وكلما جاءت زيادة في الرواتب والأجور لحقت بها زيادة أخرى في الأسعار!

ولكن الأصعب والأخطر هو أن يتجه البعض لزيادة صعوبة الصعب، ووضع الحواجز والعراقيل أمام ما يحتاج إلى تيسير وتذليل وتسهيل، فواجب على الحكومات أن تتدخل لحماية المواطنين من هذا الغلاء، فإذا لم تستطع التدخل - بحجة أن الغلاء أزمة دولية والعالم أصبح «قرية صغيرة» منفتحة على بعضها- فيجب ألا تكون الحكومات هي الأخرى عبئًا على المواطن بقراراتها ورؤاها التي أحيانًا تحمل «علامات استفهام»- وهذا هو أقل تعبير وأكثر العبارات أدبًا- لن نقول إنها قرارات غير إنسانية أو تفتقد إلى المنطق أو ربما تقتل المواطنين قهرًا وغيظًا وكمدًا!!

إن مساس الحكومات بالاحتياجات الأولية للإنسان، مثل المأكل والملبس والمسكن وحق الزواج وتكوين أسرة، خطر كبير ولعب بالنار يهدد الأوطان والشعوب ويضعها على حافة الهاوية، إن مثل هذا العبث هو بمثابة «شهادة وفاة» تكتبها الحكومات لنفسها وربما لأوطانها وشعوبها أجمع.

إن الحكمة والإنسانية والإحساس بهموم الناس هو طوق النجاة في هذه الأزمة العالمية، ولا يجب أبدًا أن تعتقد الحكومات اعتقادًا خاطئًا أن كل الناس أغنياء وقادرون على عبور هذه الأزمة، فالحياة اليومية أصبحت صعبة على الجميع.. يوميًا يسأل المواطن نفسه «ماذا سآكل اليوم أنا وأسرتي؟»، فتكون الإجابة ببساطة «دفع الكثير من الأموال لتحقيق هذا الغرض الحياتي الأولي البسيط»!!

إن محاولات الضغط على المواطنين واستفزازهم في إطار هذه الأزمة العالمية الخانقة التي زادت حدتها مع الحرب الروسية الأوكرانية، هذه المحاولات لن تنجح لأن عواقبها خطيرة جدًا وبمثابة «قنابل موقوتة».. إن شعوب العالم ستبقى صامدة أمام هذا التحدي والاستفزاز الكبير.. لن نموت مقهورين!!

7 سبتمبر 2022

مصادر السلام النفسي

منذ أن كنت طالبًا أدرس الإعلام وإلى أن أصبحت صحفيًا أعمل في هذا المجال وأنا أسمع كلمة «مصادر»، فأصبحت الكلمة صديقة أذني ورفيقة دربي وخاطري.. منذ أن وقف الأستاذ في مادة «فن صياغة الخبر الصحفي» وهو يسألنا قائلًا: «حد عارف بنجيب الخبر منين؟»، وحتى في مادة التشريعات الإعلامية التي كان يدرسها لنا المرحوم الدكتور كمال القاضي الذي كان يعمل لواء شرطة سابقًا، وهو يسألنا: «حد يعرف بنجيب القانون منين؟».. والآن أنا وكثيرون نسأل: «حد يعرف بنجيب السلام النفسي وراحة البال والتصالح مع الذات منين؟».. كيف نواجه الحياة بقسوتها وتقلباتها؟.. كيف تتعامل مع الرفض والكره من البعض؟.. سنحاول معا البحث عن إجابات هذا الأسئلة و«مصادر السلام النفسي» التي أصبحت «مادة مقررة» هذه الأيام!!

مبدئيًا، من أهم شروط ومتطلبات السلام النفسي، هو الإيمان واليقين التام بزوال هذه الدنيا.. كلنا سنغادر هذه الدنيا يومًا ما، هذه الدنيا التي نرتدي فيها جميعا قفازات ملاكمة ونخوض صراعات زائلة مع بعضنا البعض فيها هي مجرد محطة.. امتحان.. لا تستحق كل هذا العناء والغِل والقسوة.. هذا ما أقصده.. وبالطبع لا أقصد إطلاقًا أن نكون سلبيين أو منبطحين أو ضعفاء، ولكن دعونا نكون لطفاء ونرفع إنسانيتنا فوق مصالحنا، فالسيرة باقية والمصلحة زائلة.. أي والله زائلة!!

السلام النفسي يأتي من القناعة، والاقتناع بأنك قادر على العطاء والتميز في أي موقع، كبيرًا كان أو صغيرًا، بأنك تمتلك ما ليس عند غيرك، أو على الأقل تسعى لذلك.

أن تكون تاجرًا للسعادة أو مانحًا لها بلا مقابل، فلا تفارق ابتسامتك شفتيك، ولا يغيب التسامح والعفو عن قلبك، فإن لم تستطع فاعتزل ما ومَن يؤذيك دون أن تؤذيه أنت فتنساق نحو دائرة جهنمية أولها غِل، وأوسطها مكائد ومؤامرات، وآخرها هلاك والعياذ بالله.

قربك الدائم من الله هو المصدر الأساسي لهذا السلام النفسي، ففاقد الشيء لا يعطيه كيف ستتمتع بالسلام النفسي وأنت بعيد عن «السلام» سبحانه وتعالى؟!!

يجب أن تعلم تمامًا أنه لا يوجد أحد عليه إجماع، بالتأكيد ستجد من يحبك ومن يكرهك أو لا يتقبَّلك، فتقبَّل أنت هذا، وإياك أن تسعى للكيد والانتقام.. إما أن تغير فكرة الكارهين عنك أو أن تتجاهلهم تمامًا.

تعامل مع الرفض أو عدم تحقيق هدف ما أو مصلحة ما على أنه «رُب خير لم تنله كان شرًا لو أتاك»، لا أحد يعلم أين الخير وأين مصلحة العبد إلا الله سبحانه وتعالى، وبالتأكيد الله يختار لك الأفضل والأنسب دائما حتى لا تشقى فيما بعد.. طالما أنت قريب من الله فهو لن يخذلك ولن يترك سلامك النفسي والحياتي يتعرض لأي خطر حتى لو سعيت أنت نحو هذا الخطر دون أن تدري.. ستجد الله دائما ينقذك وينجيك.

27 مايو 2022

كافي غيري شري

من منا يبقى كما ولدته أمه نظيفا خاليا من العيوب والخطايا؟.. كبرت أم صغرت عيوبه.. لا أحد بدون عيب.. ولا يوجد أحد لا يرتكب أخطاء، فنحن لسنا بملائكة ولا أنبياء؟.. ولكن هل هذه القاعدة هي مبرر للخطأ؟.. أي خطأ؟.. حتى وإن كان جريمة بشعة؟.. الأمر إذن يستحق نقطة نظام وتوضيح وتصحيح المفاهيم.

إن الكمال والنزاهة والشرف هي أهداف يطمح كل إنسان سوي إلى تحقيقها، تماما مثل قيم الحق والخير والجمال التي يبحث عنها الفلاسفة، ولكن رحلة الحياة حافلة بالابتلاءات والمغريات التي معها يسقط الإنسان مرة أخرى في وحل الخطايا والعيوب إلا مَن رحم ربي.. فأين الحل إذن؟.. وكيف «تتعايش» مع عيوبك و«تروِّضها» إذا لم تستطع التخلص منها نهائيا؟

جرب أن تعيش «كافي غيرك شرك» كما يقولون، نعم هي «كافي غيري شري» وليس «كافي خيري شري»!!.. بمعنى أن تحاصر عيوبك ولا تجعلها تمتد للآخرين فلا يتأثرون بها ولا يتضررون منها، فإذا كنت مدخنا شرها فلا تدخن في مكان يتأذى أهله من التدخين، وإذا كنت عصبيا فحاول ألا تخرج غضبك في وجه أحدهم ومارس نوعا من الرياضة مثلا التي تستطيع من خلالها إخراج ما بداخلك من طاقة، إذا كنت بخيلا فلا تأمر الناس بالبخل، راقب أحوال الدنيا التي كل يوم يموت فيها الآلاف من الناس، وتأكد بأن المال وغيره من مغريات الدنيا لا ينفع ولا يبقى فستكتشف تدريجيا أن البخل والتمسك بالمال هو سذاجة كبيرة، وقِس كل هذه الأمثلة على غيرها من «العيوب»، أما «الجرائم» فلا مكان لها فيما ذكرته من أمثلة لأنها تقع تحت طائلة القانون والعقاب وليس مجرد العلاج الذاتي والنفسي.

إن محاصرة عيوبنا وجعل ضررها مقتصرا على أنفسنا هو الطريق الأول للتخلص منها، لأنك إذا اكتويت بنارها وبآثارها الضارة بالتأكيد ستتوقف عنها، لأنك ستسأل نفسك سؤالا «إذا كنت أنا لا أتحمل نفسي وعيوبي، فكيف إذن سيتحملني الناس؟.. هل سأعيش إذن في جزيرة منعزلة وحيدا وبعيدا عن الناس؟»، فلتبدأ إذن رحلة العلاج لعيوبك وكن على يقين بأنك ستصل وستنجح في النهاية.

19 مايو 2022

كوكب «المستريحين»

منذ حوالي 13 عاما وتحديدا في عام 2009، كنت طالبا في الجامعة، وأعمل في فترة الإجازة بمحل بقالة لبيع المشروبات الغازية والسجائر والشيبسي وما إلى ذلك، وكان صاحب المحل رجلًا مسنًا، ومن بين ما قاله لي كلمات غريبة وهي: «بص.. هقولك على حاجة.. خلي بالك.. كل الناس حرامية.. تعامل بهذا المبدأ»!!

كانت كلمات الرجل عفوية وسوقية، ولكن إذا درست كلماته جيدا وأمعنت التفكير في معناها وخلَّصتها من شوائبها، فستجد أنه ربما يقصد «لا تثق في أحد تمام الثقة واجعل عينيك في وسط رأسك»، وخصوصا أنه يقف في السوق ويتعامل مع قطاع كبير من الناس على مختلف مستوياتهم وعقلياتهم.. الموظف والمتسول.. السمكري والمحامي.. العسكري والحرامي!!

تمر الأيام والسنوات ويتطور العصر، إلا أن عقليات بعض البشر ما زالت لا تتخذ الحيطة والحذر تجاه النصابين و«بتوع التلات ورقات»، فنجد ما بين حين والآخر يظهر نصاب أو نصابة أو «مستريح» أو «مستريحة»، والسبب وراء تسمية النصاب بـ«المستريح» هو أن منذ عدة أعوام سقط نصاب كان يلقب بـ«المستريح» فصار هذا هو لقب كل نصاب يمتص دماء الساذجين من ضحاياه، تماما كما أصبح لقب «الخُط» يلازم أي عنصر إجرامي شديد الخطورة في الصعيد، لأن أول مجرم يحمل هذا اللقب سقط في الصعيد في عهد الملك فاروق.

إن «مستريح أسوان» الذي سقط منذ أيام هو وأكثر من 30 نصابا آخرين، كان ضحاياه من سذاجتهم يلقبونه بـ«مصطفى البنك»!!.. تخيلوا.. مجرم نصاب مصاص دماء، أصبح يتم التعامل معه على أنه بنك ومؤسسة مصرفية لحفظ الأموال!!.. هل هناك جهل أكثر من ذلك؟!!

إن استمرار الجهل والسذاجة بين الناس بيئة خصبة يستغلها المجرمون و«المستريحون» لنهب أموال الناس بدلا من استثمار هذه الأموال في المؤسسات المالية الشرعية التي للأسف يبدو أن صوتها منخفض بالمقارنة مع هؤلاء النصابين الذين يساهمون بشكل أو بآخر في تخريب اقتصاد البلد ويجب ردعهم بكل قوة وبأحكام قضائية قاسية ومعلنة حتى يكونوا عبرة لكل حرامي، وحتى لا نجد أنفسنا قد أصبحنا في «كوكب المستريحين»!!

2 مايو 2022

العيد لما كنا صغيرين

بعد انتهائي من صلاة العيد اليوم، جلست مع عدد من الأصدقاء والجيران، أجدع جيران وصحاب زمان، جلسنا في مدخل إحدى العمارات ننظر إلى الشارع وهو خالٍ من الجسد والروح، نعم، فالحياة أصبحت «هس هس» ولا يوجد «صرِّيخ ابن يومين».

وضع «إبراهيم»، أو «هيما» كما نناديه، سبابته على ذقنه وهو يحدق في الشارع ويتذكر أيام زمان، «فاكر لما أبويا وعمي والناس الكبيرة تلاقيهم عاملين قعدات، والكحك والشاي قدامهم وبيهنوا بعض بالعيد»، «فاكر أيام السبعاوية وثبت صنم والمسدسات الصوت والاستغماية ولما كنا بنلعب ماتشات كورة طول اليوم».

أجبته وأنا جالس على أريكة متهالكة داخل الحوش «ودي أيام تتنسي يا أبو خليل، فاكر لما كل واحد كان يلبس لبس العيد بتاعه وننزل بـخمسة جنيه نتمشى في وسط البلد وناكل كشري ونشرب عصير قصب.. أيااااام، وقول للزمان ارجع يا زمان».

كانت البساطة عنوان هذا الزمن الجميل، البساطة والنشاط والحيوية والخير، كانت الحياة غير متكلفة، أقل حاجة ممكن تخليك أسعد واحد في الدنيا، العيدية كانت خمسة جنيه بالكتير، بالإضافة لعيدية بسيطة من المسجد ومعها «بسكوت سامبا»، كان هناك عطاء واسع، واحترام للكبير ورهبة، مشاركة بين الكبير والصغير في مظاهر الاحتفال بالعيد، كنا نجلس حول أحد «كبار الحتة» ليحكي لنا عن مغامراته وخبراته في الحياة.

كان الود حاضرا بقوة في عيد زمان فتجد زيارات الأقارب المتبادلة قبل أن تشترك كل من مواقع التواصل والتكنولوجيا ومشاغل الحياة في سرقتنا واختطافنا من بعضنا البعض.

في خروجات الأعياد، لم نكن نسمع عن شيء يسمى «تحرش»، كان «أصيع متحرش» مجرد كلمنجي فقط، ولا يصل الأمر أبدا إلى الاعتداء والجرائم البشعة التي كثيرا ما تحدث هذه الأيام.

كانت خروجاتي مع الأصدقاء تقتصر على ميدان التحرير «قبل الثورة» والمنيل ومول طلعت حرب في وسط البلد وحديقة دار العلوم في السيدة زينب، ولما بدأوا دخول السينما لم أكن من مفضلي هذا النوع من الخروجات بسبب اعتقادي بأن الفيلم «كده كده هييجي على التليفزيون» يوما ما، بجانب عدم استعدادي نفسيا أو مزاجيا لدخول السينما في ذلك الوقت فلم أجد من يشجعني، وكذلك كنت طالبا وكانت العيدية بسيطة ولا تكفي سوى لخروجة بسيطة «على قد الإيد»، ولم تعرف قدمي طريق السينما إلا في مطلع عام 2019 مع شقيقتي ودخلنا معا فيلم «122»!!

إن في حياة كل منا كتاب جميل حافل بالصفحات الذهبية عن ذكريات العيد في الزمن الجميل.. زمن الخير والبركة والبساطة، فكل عيد وأنتم وبخير.

1 مايو 2022

«وقفة» مع النفس


مع غروب شمس رمضان وبزوغ شمس شوال إيذانا بميلاد عيد الفطر المبارك نتمنى جميعا من الله أن يتقبل صيامنا وصالح أعمالنا واجتهادنا طوال 30 يوما، ونتمنى أيضا أن يدوم ويستقيم هذا الاجتهاد والإخلاص على مدار 365 يوما وليس شهرا فقط!!

ومع حلول وقفة عيد الفطر المبارك، للأسف، تتحرر شياطين الإنس والجن من محابسها، لتعيث في الأرض الفساد، فتجد انتشار الخمور والمخدرات، ففي العام الماضي تم ضبط عاطل وبحوزته 150 طربة حشيش استعدادا لترويجها على المدمنين خلال «الوقفة» في محافظة واحدة فقط، فما بالك بباقي المحافظات!!

إن رمضان وشوال وما بينهما من وقفة وغيرهما من الشهور وكل يوم وكل لحظة هي فرصة لإجراء كشف حساب مع نفسك ولكي توضع تحت جهاز الأشعة لتعلم ما بك من كسور وقصور يحتاج إلى ترميم وإصلاح.

إذا كنت تقضي «الوقفة» مع أسرتك أو أصدقائك فاحرص على أن يكون وقتا طيبا سعيدا خاليا من أي مهلكات أو محرمات، وإذا كانت «وقفة مع النفس» وحيدا، «زي حالاتي»، فالوحدة بقدر صعوبتها وآلامها ومخاطرها ومخالفتها للطبيعة البشرية المحبة للونس والاجتماع، إلا أنها بمثابة فترة تدريب وفصل من فصول التقوية في الحياة، ثم أن الوحدة هي حال من أحوال الدنيا ومصير الإنسان مهما طال العمر هو الوحدة كما قال تعالى «وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا»، فيجب أن تتعايش مع وحدتك وتروَّضها، ولا شك أنها سحابة وتجربة مؤقتة ستزول عما قريب.

إن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، والحياة هي أكبر امتحان وحلبة سباق ونزال مع الابتلاءات والفتن، وأكبر «وقفة مع النفس»، فنسأل الله الثبات والقوة وحسن الختام، وكل عام وأنتم بخير.

24 أبريل 2022

لو كان القهر رجلا.. لقتلته

القهر في رأيي أحد القتلة الصامتين.. أكيد سمعنا جميعا عن أشخاص ماتوا كمدا أو حزنا بسبب تعرضهم لصدمة شديدة أو قهر مميت، ولعل واقعة الطيار أبو اليسر وأزمته مع الفنان محمد رمضان هي خير مثال على ذلك.

القهر أيضا «مُعدي»، فهو شعور وأثر إنساني ينتقل عن طريق العدوى مثل أي شعور كالضحك والغضب وغير ذلك، فلقد اعتصرنا الحزن جميعا على وفاة الثلاثة أشقاء الذين يدرسون الطب والصيدلة في حادث سير منذ أيام، ولقد شعرنا أن هؤلاء أشقاؤنا أو أبناؤنا، ولو وضع أحدنا أنفسه للحظة مكان الأم المكلومة التي فقدت فلذات أكبادها دفعة واحدة، لشعر بكم القهر والألم الذي عانته هذه الأم.

إن القهر درجات وأنواع، هناك قهر في المنزل وقهر في العمل وقهر في المجتمع، قهر معلن وواضح، وقهر صامت وخفي، قهر كبير وقهر صغير، قهر يشبه الرصاصة القاتلة السريعة، وقهر يشبه السم الذي يقتل ضحيته ببطء، وقهر كالمرض المزمن الذي «يتعايش» معه صاحبه، قهر متنكر في وجه طيب كالعمل والعشم والعِشرة والبيت اللي مش عايزينه يتخرب والشغلانة اللي مش عايزينها تضيع، قهر مسكوت عنه و«مطرمخ» عليه، وقهر «بنعافر» لكي نرفعه ونزيله، وفي النهاية يبقى القهر قهرا.

إن القاهر يتمادى في قهره للمقهور لأن الأخير «سكت» و«تعايش» مع هذا القهر، ولكن القاهر يجب أن يحذر من لحظة «الانفجار» الذي سيأتي يوما ما، إن الحل هو التعامل مع الناس جميعا بالعدل والمساواة والرحمة، لأن القهر قاتل للأفراد والمجتمعات، وإذا كان الإمام علي بن أبي طالب قال «لو كان الفقر رجلا لقتلته»، فاسمحوا لي أن أقول «لو كان القهر رجلا لقتلته».

22 أبريل 2022

دي فرحة سلامك ولا وداع صيامك

كعادته.. رمضان مستعجل.. مر يوم في أسبوع في ثلاثة أسابيع ولم يبقَ من الشهر الكريم سوى بضعة أيام.. رمضان شهر الخير والبركة واللمة الحلوة خلاص بيلم حاجته وماشي!!

رمضان دائما يأتي بكل خير وبهجة على كل المستويات.. على المستوى الديني هو أفضل شهر وأوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النيران، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر (أكثر من ٨٠ سنة).

وعلى المستوى الدنيوي يكون الشهر الكريم فرصة لاجتماع الأقارب والزملاء والأصدقاء على مائدة إفطار واحدة وسط جو ترفيهي تظلله المحبة والسعادة، وأيضا يكون الشهر الكريم موسما مهما لأعمال الخير ومساعدة المحتاجين وإفطار الصائمين.

والله لسه بدري والله يا شهر الصيام.. هذه الكلمات التي كلما أسمعها تنتابني القشعريرة وتدمع عيناي، وهي كلمات أغنية تتغنى بها المطربة القديرة شريفة فاضل، مودعة شهر الخير وهي تقول "يا ضيف وقته غالي وخطوة عزيزة.. حبك حب عالي في الروح والغريزة.. دي فرحة سلامك ولا وداع صيامك"، وهي الجملة التي كنت أسمعها في صغري "ولا وضاع صيامك"!! على طريقة "سعد نبيهة" التي تبين فيما بعد أنها "سعدنا بيها"!!

ونحن نودع رمضان نحرص دائما ونطمح ونتمنى أن تكون أنفسنا شبعت منه ومن بركاته وأجوائه البهيجة الربانية، وأن نكون من الفائزين في رمضان.. آمين.

19 أبريل 2022

عن أعظم نعمة ربانية

 

لو سألت نفسك وفكرت.. ما هي أفضل نعمة منحها الله للعباد؟.. ستكون الإجابة صعبة بالتأكيد.. فكل النعم عظيمة وضرورية.. سواء كانت جسدية أو معنوية.. ولكن في رأيي أعظم نعمة معنوية منحها الله لجميع بني آدم على اختلاف ألوانهم وأعراقهم ودياناتهم.. هي نعمة «الستر».

تخيل لو رفع الله الستر عن عبد من عباده.. بالتأكيد سينفضح كما حدث مع «لص الموبايل» الشهير الذي سرق هاتف صحفي أثناء بث مباشر، ونسي أن الكاميرا صوَّرت وجهه وكشفته أمام الآلاف من الناس وبذلك نفد رصيده من «الستر»!!

كل ابن آدم خطأ، كلنا نرتكب أخطاء ويستر الله علينا بستره الجميل الرحيم.. ومع كل ستر إنذار بالاعتدال والتوقف عن الأخطاء والمعاصي، ورغم ذلك يستمر «عشمنا» في الخالق وطمعنا في نعمته العظيمة، وهي «الستر».

إن الذين يفبركون الصور والذين ينشرون الفضائح يعتدون على نعمة كبيرة منحها الله للإنسان، هؤلاء ليسوا بشرا، وأقل توصيف لهم وأكثره أدبا أنهم حفنة من الجهلاء، «أولئك كالأنعام بل هم أضل»، وقطعا أنهم سيذوقون من نفس الكأس، وكذلك «المجاهرون» الذين يجهرون بالمعاصي ويعلنونها ويفخرون بها- للأسف!!، ويتمردون على نعمة الستر التي منحها الله إياهم بدون مقابل.

إن الإنسان يجب أن يكون في تعامله مع الله، كالطائر الذي يطير بجناحين، جناح «الرجاء» وجناح «الخوف»، رجاء رحمته وستره وكرمه وجنته، وفي نفس الوقت الخوف من عذاب الله وغضبه ومكره، والله يقول في الحديث القدسي «أنا عند ظن عبدي بي»، فلا تتعشم كل العشم فتنزلق في المعاصي، ولا تتشاءم كل التشاؤم فتصبح حياتك مظلمة وكئيبة وسلبية.. خير الأمور الوسط، فنسأل الله الهداية والتوفيق دائما.

18 أبريل 2022

ربوا عيالكم

كثير من الصبية، بل والشباب اليافعين، ويا للحسرة ويا للألم، عندما تدخل في مشادة كلامية بسيطة معهم قد يدخلون معك في سباب، بل وسباب للدين أحيانا، في اعتداء صارخ على ثوابت المجتمع المصري المتدين، فتجد الواحد من هؤلاء يسب الدين بسهولة ويسر وكأنه يمضغ علكة!!

وبالأمس في محافظة الإسماعيلية، عدد من الصبية رشقوا شابا بأكياس المياه، وأثناء توبيخه لهم وعدوه خلفهم، سقط أرضا وتوفي!!.. نعم فاضت روحه إلى بارئها ويبدو أنه مات حزنا على نفسه التي أهينت على يد «شوية عيال».. انظر كيف تكون الإهانة قاتلة أحيانا.. انظر كيف يكون سوء الأخلاق مهلكا ومميتا!!

أجواء مخيفة ومرعبة.. بل وقاتلة.. اليوم أصبحت تتحاشى وتتجنب الدخول في صدام أو مجرد مشادة حادة، حتى لا تتطور وتتهور إلى ما لا يحمد عقباه.. أصبح داخل كل واحد قنبلة موقوتة يحرص الآخر على تفاديها وإبطال مفعولها قدر المستطاع.

قديما، وبحكم أنني تربيت في حي شعبي، كنا في طفولتنا نحترم الجميع، حتى «الصنايعي» اللي هدومه مشحمة وكلها «بوية وبنزين»، كنا نخاف من أهلنا ونحترمهم، كنا نخاف حتى من جيراننا الكبار في السن من مجرد «تبريقة عين»، وهذا «الخوف» هو الذي أكسبنا فضيلة الاحترام والذكاء الاجتماعي والانضباط النفسي في كل موقف، وفي كل مكان وزمان.

من فضلكم، أرجوكم، راقبوا أولادكم.. راقبوا أصحابهم.. اهتماماتهم.. هواياتهم.. الأماكن التي يترددون عليها.. ما يسمعونه وما يشاهدونه.. وفي نفس الوقت لا تضيقوا عليهم حتى لا ينفجروا.. أو كما قال فؤاد المهندس في مسرحية «سك على بناتك».. سكوا عليهم وأعطوهم المفتاح.

17 أبريل 2022

رمضان والنوستالجيا

«الحنين إلى الماضي» أو «النوستالجيا» أصبح هو السمة الغالبة على معظم الأعمال الفنية في شهر رمضان، من إعلانات ومسلسلات وغيرها، بل في واقع الأمر الحنين إلى القديم هو «غريزة إنسانية» أو سلوك إنساني للهروب من آلام الواقع ومخاوف المستقبل، وهناك مثل إنجليزي يقول «OLD IS GOLD» أو «القديم ذهب».. القديم ذهب ونحن قررنا استدعاءه.

إعلان ياسمين عبدالعزيز وكريم محمود عبدالعزيز هو مثال صارخ على استدعاء الماضي، فتجد النجمين يستدعيان خلال الإعلان عددا من الأعمال الفنية القديمة مثل فيلم الحفيد ومسلسلي «ليالي الحلمية» و«لن أعيش في جلباب أبي»، وغيرها.

أيضا هناك إعلان آخر لإحدى المدن السكنية «الفخمة»، ويشارك فيه أحمد السقا وهند صبري وليلى أحمد زاهر وعدد من النجوم، ويستدعي مسلسلات وأعمالا فنية رمضانية قديمة وتحديدا منذ فترة التسعينيات، مثل «بكار» و«يتربى في عزو»، بعنوان «رمضان في جيلنا».. والغريب أن نصف المشاركين في الإعلان أعمارهم تتجاوز الأربعين، يعني قبل فترة التسعينات!!

ألحان سيد مكاوي وأغاني السندريلا أيضا حاضرة بقوة في عدد من إعلانات رمضان، في استدعاء صريح للماضي..

الحقيقة أننا جميعا نشتاق إلى الماضي، وكثيرا ما نسترجع اللحظات الجميلة التي كانت الأسرة مجتمعة فيها على مائدة الإفطار قبل أن تفرقنا الحياة أو حتى الموت.

منذ سنوات، كنت أجلس على مائدة الإفطار مع أبي وأمي وإخوتي، الآن تغير الحال وأصبحت أفطر في عملي مع زملائي، وأتسحر في منزلي وحيدا، فالوالدان انتقلا إلى العالم الآخر، والشقيقان انتقلا إلى عالم الزواج والأسرة المستقلة، وهكذا هو حال الدنيا!!.. إن الماضي يكون جرعة من النشوة التي يسافر فيها خيالنا قليلا ثم يعود إلى وطنه وواقعه بحلوه ومره.. فنسأل الله الصبر والخير في كل مكان وزمان.

19 فبراير 2022

عيب يا إبراهيم.. يا إبراهيم عيب!!

 

في يوم من الأيام.. وفي سالف العصر والأوان.. كان «دراويش إبراهيم عيسى» يعتبرونه «بطلا شعبيا»، فهو كان من بين قلة قليلة تبارز نظام مبارك وتجنِّد الأقلام المعارضة لهذا النظام وتستكتبها على صفحات الجريدة التي نجح النظام في ما بعد في استئناسها وكسر شوكتها وضمها إلى صفوف «الصحافة الأليفة».

ولكن ها هو «إبراهيم» يترنح، ويحتل «التريند»، الذي لم يكن موجودا عندما كان «بطلا شعبيا»، وهذه المرة ابتعد «إبراهيم» عن البطولة، ليقف في قفص المتهم بازدراء الأديان، وتلاحقه البلاغات وموجات الغضب العارمة.

إن تشكيك إبراهيم عيسى في واقعة المعراج، ومن قبله الحجاب والصيام، وغيرها من الجدليات التي احترف الخوض فيها، جعلت صورته تهتز وتتشوه عند الشعب المصري المتدين، الذي يقدس الثوابت الدينية وعلماء الدين، خصوصا أن «عيسى» لم يقدم أي دليل على تشكيكاته وادعاءاته واكتفى فقط بإطلاق التصريحات محدثا الجدل والغضب!!

رأيت إبراهيم عيسى في عام 2010 مشاركا بإحدى الندوات المعارضة لنظام مبارك بنقابة الصحفيين، كان بشوش الوجه ولا يعرف «التكشير»، لم يكن مزعجا للرأي العام على هذا النحو الذي صار عليه الآن.. هل لم تكن طباعه وأفكاره الحقيقية واضحة إلينا أو لبعضنا بشكل كافٍ؟

إننا في ظل مواجهتنا لفيروس كورونا القاتل الذي يخطف من بيننا العشرات يوميا، وفي ظل الأحوال المعيشية الصعبة، لا نتحمل أيضا هذه السموم الفكرية التي يطلقها إبراهيم عيسى، الذي يتوهم أنه بذلك يحقق الذيوع والانتشار، ولكن أي ذيوع وأي انتشار هذا الذي يضرب معتقدات الناس ويسيء إليها ويستخف بها؟.. عيب يا إبراهيم.. يا إبراهيم عيب!!

أخيرا وليس آخرا، إذا كان إبراهيم عيسى يُحدث الجدل ويشكك ويطعن دون دليل موثق، ففي الوقت ذاته يجب على المواطنين التفقه في دينهم والبحث فيه وفهمه بشكل معتدل وجيد حتى يصنعوا دروعا قوية ضد هذه الهجمات والهدمات الفكرية المسمومة.