27 مايو 2022

كافي غيري شري

من منا يبقى كما ولدته أمه نظيفا خاليا من العيوب والخطايا؟.. كبرت أم صغرت عيوبه.. لا أحد بدون عيب.. ولا يوجد أحد لا يرتكب أخطاء، فنحن لسنا بملائكة ولا أنبياء؟.. ولكن هل هذه القاعدة هي مبرر للخطأ؟.. أي خطأ؟.. حتى وإن كان جريمة بشعة؟.. الأمر إذن يستحق نقطة نظام وتوضيح وتصحيح المفاهيم.

إن الكمال والنزاهة والشرف هي أهداف يطمح كل إنسان سوي إلى تحقيقها، تماما مثل قيم الحق والخير والجمال التي يبحث عنها الفلاسفة، ولكن رحلة الحياة حافلة بالابتلاءات والمغريات التي معها يسقط الإنسان مرة أخرى في وحل الخطايا والعيوب إلا مَن رحم ربي.. فأين الحل إذن؟.. وكيف «تتعايش» مع عيوبك و«تروِّضها» إذا لم تستطع التخلص منها نهائيا؟

جرب أن تعيش «كافي غيرك شرك» كما يقولون، نعم هي «كافي غيري شري» وليس «كافي خيري شري»!!.. بمعنى أن تحاصر عيوبك ولا تجعلها تمتد للآخرين فلا يتأثرون بها ولا يتضررون منها، فإذا كنت مدخنا شرها فلا تدخن في مكان يتأذى أهله من التدخين، وإذا كنت عصبيا فحاول ألا تخرج غضبك في وجه أحدهم ومارس نوعا من الرياضة مثلا التي تستطيع من خلالها إخراج ما بداخلك من طاقة، إذا كنت بخيلا فلا تأمر الناس بالبخل، راقب أحوال الدنيا التي كل يوم يموت فيها الآلاف من الناس، وتأكد بأن المال وغيره من مغريات الدنيا لا ينفع ولا يبقى فستكتشف تدريجيا أن البخل والتمسك بالمال هو سذاجة كبيرة، وقِس كل هذه الأمثلة على غيرها من «العيوب»، أما «الجرائم» فلا مكان لها فيما ذكرته من أمثلة لأنها تقع تحت طائلة القانون والعقاب وليس مجرد العلاج الذاتي والنفسي.

إن محاصرة عيوبنا وجعل ضررها مقتصرا على أنفسنا هو الطريق الأول للتخلص منها، لأنك إذا اكتويت بنارها وبآثارها الضارة بالتأكيد ستتوقف عنها، لأنك ستسأل نفسك سؤالا «إذا كنت أنا لا أتحمل نفسي وعيوبي، فكيف إذن سيتحملني الناس؟.. هل سأعيش إذن في جزيرة منعزلة وحيدا وبعيدا عن الناس؟»، فلتبدأ إذن رحلة العلاج لعيوبك وكن على يقين بأنك ستصل وستنجح في النهاية.

19 مايو 2022

كوكب «المستريحين»

منذ حوالي 13 عاما وتحديدا في عام 2009، كنت طالبا في الجامعة، وأعمل في فترة الإجازة بمحل بقالة لبيع المشروبات الغازية والسجائر والشيبسي وما إلى ذلك، وكان صاحب المحل رجلًا مسنًا، ومن بين ما قاله لي كلمات غريبة وهي: «بص.. هقولك على حاجة.. خلي بالك.. كل الناس حرامية.. تعامل بهذا المبدأ»!!

كانت كلمات الرجل عفوية وسوقية، ولكن إذا درست كلماته جيدا وأمعنت التفكير في معناها وخلَّصتها من شوائبها، فستجد أنه ربما يقصد «لا تثق في أحد تمام الثقة واجعل عينيك في وسط رأسك»، وخصوصا أنه يقف في السوق ويتعامل مع قطاع كبير من الناس على مختلف مستوياتهم وعقلياتهم.. الموظف والمتسول.. السمكري والمحامي.. العسكري والحرامي!!

تمر الأيام والسنوات ويتطور العصر، إلا أن عقليات بعض البشر ما زالت لا تتخذ الحيطة والحذر تجاه النصابين و«بتوع التلات ورقات»، فنجد ما بين حين والآخر يظهر نصاب أو نصابة أو «مستريح» أو «مستريحة»، والسبب وراء تسمية النصاب بـ«المستريح» هو أن منذ عدة أعوام سقط نصاب كان يلقب بـ«المستريح» فصار هذا هو لقب كل نصاب يمتص دماء الساذجين من ضحاياه، تماما كما أصبح لقب «الخُط» يلازم أي عنصر إجرامي شديد الخطورة في الصعيد، لأن أول مجرم يحمل هذا اللقب سقط في الصعيد في عهد الملك فاروق.

إن «مستريح أسوان» الذي سقط منذ أيام هو وأكثر من 30 نصابا آخرين، كان ضحاياه من سذاجتهم يلقبونه بـ«مصطفى البنك»!!.. تخيلوا.. مجرم نصاب مصاص دماء، أصبح يتم التعامل معه على أنه بنك ومؤسسة مصرفية لحفظ الأموال!!.. هل هناك جهل أكثر من ذلك؟!!

إن استمرار الجهل والسذاجة بين الناس بيئة خصبة يستغلها المجرمون و«المستريحون» لنهب أموال الناس بدلا من استثمار هذه الأموال في المؤسسات المالية الشرعية التي للأسف يبدو أن صوتها منخفض بالمقارنة مع هؤلاء النصابين الذين يساهمون بشكل أو بآخر في تخريب اقتصاد البلد ويجب ردعهم بكل قوة وبأحكام قضائية قاسية ومعلنة حتى يكونوا عبرة لكل حرامي، وحتى لا نجد أنفسنا قد أصبحنا في «كوكب المستريحين»!!

2 مايو 2022

العيد لما كنا صغيرين

بعد انتهائي من صلاة العيد اليوم، جلست مع عدد من الأصدقاء والجيران، أجدع جيران وصحاب زمان، جلسنا في مدخل إحدى العمارات ننظر إلى الشارع وهو خالٍ من الجسد والروح، نعم، فالحياة أصبحت «هس هس» ولا يوجد «صرِّيخ ابن يومين».

وضع «إبراهيم»، أو «هيما» كما نناديه، سبابته على ذقنه وهو يحدق في الشارع ويتذكر أيام زمان، «فاكر لما أبويا وعمي والناس الكبيرة تلاقيهم عاملين قعدات، والكحك والشاي قدامهم وبيهنوا بعض بالعيد»، «فاكر أيام السبعاوية وثبت صنم والمسدسات الصوت والاستغماية ولما كنا بنلعب ماتشات كورة طول اليوم».

أجبته وأنا جالس على أريكة متهالكة داخل الحوش «ودي أيام تتنسي يا أبو خليل، فاكر لما كل واحد كان يلبس لبس العيد بتاعه وننزل بـخمسة جنيه نتمشى في وسط البلد وناكل كشري ونشرب عصير قصب.. أيااااام، وقول للزمان ارجع يا زمان».

كانت البساطة عنوان هذا الزمن الجميل، البساطة والنشاط والحيوية والخير، كانت الحياة غير متكلفة، أقل حاجة ممكن تخليك أسعد واحد في الدنيا، العيدية كانت خمسة جنيه بالكتير، بالإضافة لعيدية بسيطة من المسجد ومعها «بسكوت سامبا»، كان هناك عطاء واسع، واحترام للكبير ورهبة، مشاركة بين الكبير والصغير في مظاهر الاحتفال بالعيد، كنا نجلس حول أحد «كبار الحتة» ليحكي لنا عن مغامراته وخبراته في الحياة.

كان الود حاضرا بقوة في عيد زمان فتجد زيارات الأقارب المتبادلة قبل أن تشترك كل من مواقع التواصل والتكنولوجيا ومشاغل الحياة في سرقتنا واختطافنا من بعضنا البعض.

في خروجات الأعياد، لم نكن نسمع عن شيء يسمى «تحرش»، كان «أصيع متحرش» مجرد كلمنجي فقط، ولا يصل الأمر أبدا إلى الاعتداء والجرائم البشعة التي كثيرا ما تحدث هذه الأيام.

كانت خروجاتي مع الأصدقاء تقتصر على ميدان التحرير «قبل الثورة» والمنيل ومول طلعت حرب في وسط البلد وحديقة دار العلوم في السيدة زينب، ولما بدأوا دخول السينما لم أكن من مفضلي هذا النوع من الخروجات بسبب اعتقادي بأن الفيلم «كده كده هييجي على التليفزيون» يوما ما، بجانب عدم استعدادي نفسيا أو مزاجيا لدخول السينما في ذلك الوقت فلم أجد من يشجعني، وكذلك كنت طالبا وكانت العيدية بسيطة ولا تكفي سوى لخروجة بسيطة «على قد الإيد»، ولم تعرف قدمي طريق السينما إلا في مطلع عام 2019 مع شقيقتي ودخلنا معا فيلم «122»!!

إن في حياة كل منا كتاب جميل حافل بالصفحات الذهبية عن ذكريات العيد في الزمن الجميل.. زمن الخير والبركة والبساطة، فكل عيد وأنتم وبخير.

1 مايو 2022

«وقفة» مع النفس


مع غروب شمس رمضان وبزوغ شمس شوال إيذانا بميلاد عيد الفطر المبارك نتمنى جميعا من الله أن يتقبل صيامنا وصالح أعمالنا واجتهادنا طوال 30 يوما، ونتمنى أيضا أن يدوم ويستقيم هذا الاجتهاد والإخلاص على مدار 365 يوما وليس شهرا فقط!!

ومع حلول وقفة عيد الفطر المبارك، للأسف، تتحرر شياطين الإنس والجن من محابسها، لتعيث في الأرض الفساد، فتجد انتشار الخمور والمخدرات، ففي العام الماضي تم ضبط عاطل وبحوزته 150 طربة حشيش استعدادا لترويجها على المدمنين خلال «الوقفة» في محافظة واحدة فقط، فما بالك بباقي المحافظات!!

إن رمضان وشوال وما بينهما من وقفة وغيرهما من الشهور وكل يوم وكل لحظة هي فرصة لإجراء كشف حساب مع نفسك ولكي توضع تحت جهاز الأشعة لتعلم ما بك من كسور وقصور يحتاج إلى ترميم وإصلاح.

إذا كنت تقضي «الوقفة» مع أسرتك أو أصدقائك فاحرص على أن يكون وقتا طيبا سعيدا خاليا من أي مهلكات أو محرمات، وإذا كانت «وقفة مع النفس» وحيدا، «زي حالاتي»، فالوحدة بقدر صعوبتها وآلامها ومخاطرها ومخالفتها للطبيعة البشرية المحبة للونس والاجتماع، إلا أنها بمثابة فترة تدريب وفصل من فصول التقوية في الحياة، ثم أن الوحدة هي حال من أحوال الدنيا ومصير الإنسان مهما طال العمر هو الوحدة كما قال تعالى «وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا»، فيجب أن تتعايش مع وحدتك وتروَّضها، ولا شك أنها سحابة وتجربة مؤقتة ستزول عما قريب.

إن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، والحياة هي أكبر امتحان وحلبة سباق ونزال مع الابتلاءات والفتن، وأكبر «وقفة مع النفس»، فنسأل الله الثبات والقوة وحسن الختام، وكل عام وأنتم بخير.