منذ سنوات حكى لي رجل مسن أعرفه عن حكاياته ومصادفاته مع عالم الفن الجميل.. «الفنانين اللي بجد».. وكيف أن عملاقا مثل محمود المليجي انتظر الرجل (الذي كان صبي مكوجي وقتها) على الناحية الأخرى من الطريق حتى يصافحه وكان معه عملاق آخر يُدعى حسن الإمام.
رواية الرجل- الذي رحل عن عالمنا منذ عامين- هي ليست وحدها الشاهد على رقي وجمال فناني الزمن الجميل قديما، الذين تقاضوا أبخس الأجور مقابل أروع الأعمال الفنية التي أمتعت الشعوب وأثرت في وجدانها، هذه الحقبة الفنية التي لم يكن يعنيها التعري أو جمع المال أو ركوب التريند، بقدر ما كان يعنيهم الإخلاص في عملهم وتقديم رسالة فنية تعيش لعقود.
ما وصل إليه حال الوسط الفني الآن يثير الشفقة- ولا شيء دون ذلك- فما نراه ونسمعه ونقرأه الآن ما هو إلا مجرد فراغ وإفلاس وتناقض وكذب وضحك على عقل الجمهور، وتنمر واستهانة بهذا الجمهور وعدم اكتراث بانتقاداته التي أحيانا كثيرة تكون صائبة وفي محلها، فهذا الجمهور هو مصدر تمويل وشهرة هذا الوسط الفني وغيره من الأوساط.. ولكن لا حياة لمن تنادي!
إن الفنان عندما يتحول إلى «مانيكان» يرتدي أي «حتة قماش» من أجل «التريند»، هو قمة المسخرة والشفقة، لأنه بذلك يتسول ويتحول إلى بائع أو بائعة هوى تسعى لاسترضاء «الزبون» وجذب انتباهه بأي وسيلة حتى لو كانت رخيصة ومتدنية، ويصبح الفنان بذلك فارغا من أي محتوى أو مضمون، فقط مجرد شكل سيغيره ويطمسه الزمن مهما طال.
أعرف أنني كمن «يؤذن في مالطا»، وهذه السطور قد لا يهتم أو يعمل بها أي من المنسوبين للوسط الفني، ولكن هذه السطور مجرد ناقلة لما لمسته من انطباع الجمهور واستيائه من معظم إطلالات الممثلين.
إن المنتسب للوسط الفني يجب أن يعي ويعلم أنه يظهر أمام قطاع كبير من الجمهور عبر وسائل إعلام واسعة الانتشار، فهو إذن ليس في بيته أو داخل غرفة نومه، احترامك لجمهورك هو بمثابة فتح حساب أو رصيد احترام لنفسك يظل جاريا مدى الحياة وبعد الممات.