القهر في رأيي أحد القتلة الصامتين.. أكيد سمعنا جميعا عن أشخاص ماتوا كمدا أو حزنا بسبب تعرضهم لصدمة شديدة أو قهر مميت، ولعل واقعة الطيار أبو اليسر وأزمته مع الفنان محمد رمضان هي خير مثال على ذلك.
القهر أيضا «مُعدي»، فهو شعور وأثر إنساني ينتقل عن طريق العدوى مثل أي شعور كالضحك والغضب وغير ذلك، فلقد اعتصرنا الحزن جميعا على وفاة الثلاثة أشقاء الذين يدرسون الطب والصيدلة في حادث سير منذ أيام، ولقد شعرنا أن هؤلاء أشقاؤنا أو أبناؤنا، ولو وضع أحدنا أنفسه للحظة مكان الأم المكلومة التي فقدت فلذات أكبادها دفعة واحدة، لشعر بكم القهر والألم الذي عانته هذه الأم.
إن القهر درجات وأنواع، هناك قهر في المنزل وقهر في العمل وقهر في المجتمع، قهر معلن وواضح، وقهر صامت وخفي، قهر كبير وقهر صغير، قهر يشبه الرصاصة القاتلة السريعة، وقهر يشبه السم الذي يقتل ضحيته ببطء، وقهر كالمرض المزمن الذي «يتعايش» معه صاحبه، قهر متنكر في وجه طيب كالعمل والعشم والعِشرة والبيت اللي مش عايزينه يتخرب والشغلانة اللي مش عايزينها تضيع، قهر مسكوت عنه و«مطرمخ» عليه، وقهر «بنعافر» لكي نرفعه ونزيله، وفي النهاية يبقى القهر قهرا.
إن القاهر يتمادى في قهره للمقهور لأن الأخير «سكت» و«تعايش» مع هذا القهر، ولكن القاهر يجب أن يحذر من لحظة «الانفجار» الذي سيأتي يوما ما، إن الحل هو التعامل مع الناس جميعا بالعدل والمساواة والرحمة، لأن القهر قاتل للأفراد والمجتمعات، وإذا كان الإمام علي بن أبي طالب قال «لو كان الفقر رجلا لقتلته»، فاسمحوا لي أن أقول «لو كان القهر رجلا لقتلته».