2 ديسمبر 2021

صراع «العقل العاطفي» و«العقل المنطقي»

سأله صديقه: «لماذا لا تتزوج من فلانة؟.. إنها فتاة ذات خلق ومتفوقة في عملها.. كما أنها تجيد طهي اليخنة التي تعشقها أنت»، فرد عليه: «ولماذا أتزوجها وأنا لا أشعر نحوها بانجذاب عاطفي!».... هذا مثال بسيط على الصراع الأزلي في هذه الحياة.. صراع العقل المنطقي ونظيره العاطفي، فلو فكر هذا الصديق بعقله المنطقي سيتزوج من هذه الفتاة ذات المميزات الفريدة، أما إذا استسلم لمشاعره التي يقودها عقله العاطفي، فهو لن يفكر فيها من الأساس.

إن العقل العاطفي مصدره النتوء اللوزي بالمخ، وهو الذي يجعلنا نركض خائفين إذا رأينا أسدا يطاردنا في البراري، أو حتى «كلب بلدي» في الشارع!!، ولكن العقل المنطقي سيجعلنا نفكر في طريقة ننجو بها من الموقف، كأن نلتقط حجرا لنهش به هذا الكلب وليس الأسد بالطبع، لأن العقل المنطقي لن يجعلنا نسير في الغابة مترجلين وبدون حماية بين الوحوش الضارية!!

نطالع في وسائل الإعلام يوميا عن «الطبيب» أو «المهندس» الذي جن جنونه وارتكب جريمة بشعة مثل القتل أو حتى التحرش، رغم تفوقه العلمي والعملي.. لدرجة تجعلنا نتساءل: كيف لرجل على هذا المستوى من العلم أن يفعل مثل هذه الجرائم؟.. والجواب بمنتهى البساطة أن التفوق والذكاء الأكاديمي مختلف تماما عن الذكاء العاطفي وقدرة الإنسان على التحكم في مشاعره، وأن يكون عقله غالبا على تصرفاته ومسيطرا على انفعالاته.

هؤلاء السُذَّج سيطر عليهم شعور الغضب أو الخوف أو الشهوة فلم يمنحوا لأنفسهم فرصة للتفكير والتعقل بأن النتيجة ستكون خسارتهم لأنفسهم أو حتى لأحبائهم.. تماما مثل ذلك الزوج الذي استشاط غضبا عندما علم بحمل زوجته في شهرها الأول بعد 18 يوما من الزواج دون أن يدري أن هذا طبيعي للمرأة من الناحية الطبية والعلمية، وحتى لو لم يكن يدري كان عليه أن يمنح عقله الوقت ليفكر أو حتى يسأل أهل العلم إن كان لا يعلم.. ولكن هذا نتيجة سيطرة العقل العاطفي على العقل المنطقي.

إن العقل العاطفي ونظيره المنطقي لا غنى عنهما معا، فلو فكر الإنسان بعقله فقط سيصبح مثل الكمبيوتر بلا مشاعر.. ولو فكر بعاطفته فقط فسيصير كالمجنون، لذا فالأفضل أن يعطي الإنسان الفرصة لمشاعره كي ترى ألوان الأشياء ثم يعرض الأمر على عقله ليضع القرار المصيري نحو هذه الأشياء.

20 نوفمبر 2021

عن طموح الحب والسعادة

 من أصعب الأسئلة على معظم الناس «ما هو طموحك في الحياة؟»، ولأن الإنسان بطبعه يريد الحصول على كل شيء وفي أسرع وقت ممكن فربما يعجز عن الإجابة على هذا السؤال.

عندما كنا أطفالا صغارا كانت إجابتنا عن هذا السؤال تلقائية وبريئة وحالمة، «نفسي أطلع ظابط.. طيار.. دكتور.. مهندس.. مذيع»، كنا نتخيل أن الطريق إلى كل هؤلاء سهل، فقط سننام ونستيقظ لنجد أنفسنا نرتدي بالطو الطبيب أو بذلة الضابط أو قبعة المهندس الصفراء أو نقف أمام كاميرات المذيع، ثم نفاجأ بأن كلا منا يستقل قاربا بمفرده في بحر الحياة، ومنا من يصارع الأمواج ويصل إلى حلمه، ومنا من يغرق، ومنا من يغيِّر وجهته!

الذين وقفوا بين هذا وذاك.. بين تحقيق الحلم والغرق في بحر الحياة.. بين النجاح والفشل.. أصابهم الشتات، هؤلاء إما لم يرسموا هدفهم من البداية أو لم يتمكنوا من الوصول إلى الهدف الذي رسموه، فحينئذ لا يجدون سوى الطموح العام المشترك الذي يبحث عنه السواد الأعظم من الناس، وهو «السعادة والحب».

وأنت تبحث عن «السعادة» ستجد نفسك تسلك طرقا عديدة للنجاح.. تفوقك في عملك أو على الأقل استقرارك فيه هو بمثابة نجاح يبعث على «السعادة».. إتقانك لمهارة جديدة هو تحقيق جديد لهدفك الأسمى «السعادة».. التزامك الديني المعتدل هو أيضا «سعادة».. الحصول على وزن مثالي وحالة صحية جيدة هو نوع من «السعادة».. نجاحك في كتابة مقالة أو قصة قصيرة باسمك هو «سعادة».

الحب أيضا يصنع السعادة، وهي أيضا تصنعه، فالإنسان السعيد يكون أكثر انفتاحا للحياة ولأحد أهم مباهجها وأرواحها وهو «الحب»، فالإنسان قد يكون طموحه في الحياة البحث عن حب صحي وحقيقي ودائم، مثل حب الله سبحانه وتعالى، الذي هو بالطبع أسمى وأرقى أنواع الحب وبه يشعر الإنسان بالأمان وينال مكاسب الدنيا والآخرة، فالحب يجعل الإنسان يرى الحياة بنظرة تفاؤلية يستطيع من خلالها تحقيق قفزات إيجابية عديدة.

5 نوفمبر 2021

دروس مستفادة من جريمة الإسماعيلية


«من السموم الناقعات دواء».. لعل بيت الشعر هذا يعبر عن الفوائد الكامنة في أخطر الأشياء وهي السموم، وجريمة مثل جريمة الإسماعيلية البشعة رغم ما فيها من وحشية ورغم أنها جريمة فريدة من نوعها لم يسبق لها مثيل، وبمثابة تطور خطير في عالم الجريمة وتغير مرعب ومخيف وغريب في الجينات المصرية المسالمة، إلا أن هناك بعض العبر والدروس التي يمكن الاستفادة بها من هذه الجريمة.

«المخدرات هي أم الجرائم وأم الكبائر»، فكل ما يُذهب عقل الإنسان ويجعل منه مسخا أو مستذئبا هو خطر كبير جدا يجب مواجهته بكل قوة، هذه السموم التي تجد طريقها إلى عقول الشباب عبر حدود مصر المختلفة هي قنابل موقوتة ستجعلنا نعيش غير آمنين، وربما أحدنا يلقى مصير هؤلاء الضحايا الذين راحوا على يد مدمنين مغيبين، كما حدث في جريمة الإسماعيلية، حيث كان المتهم تحت تأثير مخدر «الشابو».

«لا تثق بالناس تمام الثقة ولا تنتظر منهم شيئا»، وهذا المبدأ ليس دعوة مني للانعزال والانغلاق عن العالم أو لكراهية الناس، وإنما هي دعوة عقلانية بوقف «العشم المفرط»، فها هو ضحية جريمة الإسماعيلية قُتل وقُطع رأسه أمام عشرات من البشر الذين شوهد بعضهم وهم يلتقطون صورا للجريمة بمنتهى البرود وكأنهم في حفل زفاف أو افتتاح مطعم!

«الأمل موجود حتى آخر لحظة»، فرغم أن معظم الناس وقفوا متفرجين أو مصورين للجريمة البشعة إلا أن بعضهم استيقظ من غفلته وحاول السيطرة على المجرم فأصيب بعضهم نتيجة ضربات طائشة من هذا السفاح، ونجح الحشد أخيرا في إسقاط المجرم وتسليمه للشرطة، ولكن بعد فوات الأوان، حيث تخاصمت رقبة الضحية مع جسده وأصبح كل منهما في طريق، وفارقت روحه جسده.

الجزء الغامض في الجريمة حتى كتابة هذه السطور هو سبب ارتكاب هذه البشاعة المفرطة، البعض قال إنه الثأر أو الانتقام من الضحية، والبعض قال إن القاتل غير متزن نفسيا وهو ما نفته تحقيقات النيابة التي قالت إن المتهم بدت تصرفاته طبيعية ومتزنة خلال التحقيقات، وهنا نتعلم درسا آخر بألا نصدق جميع ما يقال لنا وننتظر حتى اكتمال صور الحقيقة كاملة.

16 أكتوبر 2021

وسط مثير.. للشفقة

 منذ سنوات حكى لي رجل مسن أعرفه عن حكاياته ومصادفاته مع عالم الفن الجميل.. «الفنانين اللي بجد».. وكيف أن عملاقا مثل محمود المليجي انتظر الرجل (الذي كان صبي مكوجي وقتها) على الناحية الأخرى من الطريق حتى يصافحه وكان معه عملاق آخر يُدعى حسن الإمام.

رواية الرجل- الذي رحل عن عالمنا منذ عامين- هي ليست وحدها الشاهد على رقي وجمال فناني الزمن الجميل قديما، الذين تقاضوا أبخس الأجور مقابل أروع الأعمال الفنية التي أمتعت الشعوب وأثرت في وجدانها، هذه الحقبة الفنية التي لم يكن يعنيها التعري أو جمع المال أو ركوب التريند، بقدر ما كان يعنيهم الإخلاص في عملهم وتقديم رسالة فنية تعيش لعقود.

ما وصل إليه حال الوسط الفني الآن يثير الشفقة- ولا شيء دون ذلك- فما نراه ونسمعه ونقرأه الآن ما هو إلا مجرد فراغ وإفلاس وتناقض وكذب وضحك على عقل الجمهور، وتنمر واستهانة بهذا الجمهور وعدم اكتراث بانتقاداته التي أحيانا كثيرة تكون صائبة وفي محلها، فهذا الجمهور هو مصدر تمويل وشهرة هذا الوسط الفني وغيره من الأوساط.. ولكن لا حياة لمن تنادي!

إن الفنان عندما يتحول إلى «مانيكان» يرتدي أي «حتة قماش» من أجل «التريند»، هو قمة المسخرة والشفقة، لأنه بذلك يتسول ويتحول إلى بائع أو بائعة هوى تسعى لاسترضاء «الزبون» وجذب انتباهه بأي وسيلة حتى لو كانت رخيصة ومتدنية، ويصبح الفنان بذلك فارغا من أي محتوى أو مضمون، فقط مجرد شكل سيغيره ويطمسه الزمن مهما طال.

أعرف أنني كمن «يؤذن في مالطا»، وهذه السطور قد لا يهتم أو يعمل بها أي من المنسوبين للوسط الفني، ولكن هذه السطور مجرد ناقلة لما لمسته من انطباع الجمهور واستيائه من معظم إطلالات الممثلين.

إن المنتسب للوسط الفني يجب أن يعي ويعلم أنه يظهر أمام قطاع كبير من الجمهور عبر وسائل إعلام واسعة الانتشار، فهو إذن ليس في بيته أو داخل غرفة نومه، احترامك لجمهورك هو بمثابة فتح حساب أو رصيد احترام لنفسك يظل جاريا مدى الحياة وبعد الممات.

3 أكتوبر 2021

ونحن نهش الاكتئاب

تعيش البشرية أصعب لحظاتها في هذه الأيام.. فيروس كورونا.. غلاء معيشي.. أزمات اقتصادية واجتماعية وجدت طريقها حتى إلى أغنى الدول في أوروبا، وخير مثال على ذلك أزمة الوقود في بريطانيا التي كانت يوما ما «إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس»، ولكن الدنيا لا تصفو لأحد إلى الأبد.. ومن يظن نفسه جبارا وقويا إلى الأبد، فهو واهم ومخدوع!

وما يزيد من مرارة الألم، ما نطالعه يوميا في وسائل الإعلام من أخبار «تغم النفس» عن هذا الذي قتل «شريكة عمره»، أو هذه التي خانت «رجل بيتها» وأجهزت عليه بالتواطؤ مع «شيطان» تمثل لها في صورة «حبيب» واستطاع أن يغزو رأسها وفكرها ويسوقها إلى التهلكة كما يسوق الجزار الشاة إلى المذبح، أو هؤلاء الذين غدروا بأعز أصدقائهم من أجل حفنة أموال!

لم يتوقف الأمر على الجريمة، بل امتد أيضا إلى أخبار «موت الفجأة» وخصوصا أولئك الذين توفوا قبل زفافهم بقليل أو أثنائه أو بعده بقليل، أو حتى أخبار الانتحار وأولئك الذين قتلوا أنفسهم وكان الله بهم رحيما، فأصبح الأمر إذن وكأن وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي توزع علينا يوميا «وجبة من النكد والاكتئاب».. فكيف نعيش وماذا نفعل؟

الإيمان هو مفتاح الهروب من هذا الاكتئاب.. الإيمان بالقدر، وأن «نصيبك هيصيبك» .. الإيمان برحمة الله معك وأنه يرزقك كل لحظة، وكل يوم تستيقظ فيه حيًا هو فرصة للتصالح مع الله والإقلاع عن المعاصي.

لا تجعل يومك كله ثابتا ومقتصرا على نشاط واحد، فتنويع الأنشطة اليومية (عمل أو عبادة أو ترفيه)، من شأنه أن يجعل يومك مشوقا وحيويا وبعيدا عن دائرة الاكتئاب الجهنمية!

لا تنظر إلى ما فضَّل ومتَّع الله به غيرك، الحسد والحقد من مسببات الاكتئاب وأمراض النفس، وتذكَّر نعم الله عليك.. بالتأكيد أنت لديك مميزات وعطايا لا توجد عند غيرك، فلا تنشغل عن تنميتها واستغلالها بأن تتلصص إلى نِعم غيرك.

أنت أقوى من الاكتئاب، لأن المؤمن القوي أفضل عند الله من المؤمن الضعيف.. فتسلح بالإيمان والقوة وستهزم الاكتئاب بإذن الله.

9 سبتمبر 2021

«السمكري» و«البني آدمين»


مرة أخرى.. يساهم من يُسمون بـ«نجوم الصف الأول» في إضفاء شهرة وحيثية لبعض المغمورين.. ويا ليتهم أي مغمورين.. فهؤلاء لم نجنِ من ورائهم سوى المتاعب والأزمات والصورة الذهنية السيئة عن عالم الشهرة، الذي أصبح أداة يُساء استغلالها لكل من هبَّ ودبَّ.

«سمكري البني آدمين» هو لقب انتشر على شاب اتخذ من «طرقعة» الأجساد سبوبة وأداة للشهرة، في تقليد أعمى لفيديوهات الغرب، هذا الشاب بدأ ظهوره مع عدد من «النجوم المشهورين» في مصر، وتدريجيا افتتح «مركزا» خاصا به ليستقبل كل من يريد «طرقعة وطقطقة جسده» كنوع من العلاج الطبيعي، ليتضح في النهاية أنه مجرد مزوِّر، بل وتسبب في مشكلات صحية خطيرة لبعض «ضحاياه» وعلى رأسهم مطربة شابة قالت إنها كادت تصاب بالشلل بسبب «طرقعته».

هذا المشهد، مشهد صعود المغمورين والدخلاء والمزعجين، تكرر من قبل كثيرا مع بعض مطربي «المهرجانات الشعبية» المعروفين بإثارة الجدل، حيث أفسح لهم بعض الفنانين المجال لاقتحام عالم الغناء والتمثيل الذي طالما كان قاعة تضم نجوم الزمن الجميل.. «أيام ما كان فيه زمن جميل!!»

فيا أيها السادة «البني آدمين نجوم الصف الأول»، أقول لكم إن الجمهور هو من يمنح الشهرة والنجومية وهو من يسحبها، فأين تذهبون؟..  احترامكم للأمانة التي حمَّلها لكم المشاهد ووسام الشهرة الممنوح من الجمهور هو فقط «تذكرة الدخول» إلى عالم النجاح، و«بطاقة العضوية» للبقاء في «حزب الشهرة».. أما السقوط في بئر الابتذال والتحالف مع الدخلاء والمزعجين فسيعجل برحيلكم من ذاكرة المشاهد أو البقاء في الجزء المظلم من ذاكرته.. وإن عدتم عدنا.

7 سبتمبر 2021

حفرة في «قفا» إسرائيل

عبر مراحل التاريخ المختلفة، تتواصل الضربات العربية للكيان الصهيوني الذي يزعم أنه لا يقهر وأنه يمتلك الأنظمة الأمنية والدفاعية الأقوى في العالم، والتي كلها بالطبع مصدرها «ماما أمريكا»، إلا أن أمام هذه الإمكانات الجبارة لم يصمد الصهاينة أمام البأس والإرادة العربية الشديدين، والدهاء العربي الذي علَّم على «قفا» الصهاينة في نصر أكتوبر 1973، وحتى «فضيحة الحفرة» بالأمس!!

حتى الآن لا يعلم أحد كيف نجح الأبطال الفلسطينيون الستة في الهروب من معتقل جلبوع الإسرائيلي، الذي تزعم تل أبيب أنه «شديد الحراسة»؟.. ولعل مشهد الضابط الإسرائيلي وهو يجثو على ركبتيه ويتطلع في حيرة إلى الحفرة التي هرب منها الأبطال الستة، هو مشهد وصورة أصدق من ألف كلمة.

لكن هناك عناصر مهمة ساعدت في تحرر المعتقلين الستة، أبرزها خريطة السجن التي نشرها مكتب الهندسة المشرف على بنائه، والتي اعترفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بأنها ربما ساعدت على حدوث الفضيحة وجعلت المعتقلين يعلمون بمداخل ومخارج السجن، ما ساعدهم على تنفيذ خطتهم في الهروب.

«الحارسة النائمة» في أحد أبراج الحراسة كانت فضيحة أخرى وثغرة مهمة ساعدت على هروب المعتقلين، وبالطبع إسرائيل كلها حُرمت من النوم الآن بعد حدوث هذه الفضيحة المدوية.

«ملعقة» هي الأداة التي رجح كثيرون أنها البطل في حفر طريق الهروب بمغسلة داخل السجن، ولكن حتى الآن لم تعلن إسرائيل عن التفاصيل الحقيقية للفضيحة الأمنية.

بعد هذه الملحمة التي فعلها المعتقلون الفلسطينيون الستة، بالطبع سترفع إسرائيل من جرعة جرائمها في حق بقية المعتقلين الفلسطينيين، فيا أيها المجتمع الدولي استيقظ ولا تنم مثل «الحارسة الإسرائيلية»، ويجب الضغط على الكيان الصهيوني للإفراج عن جميع المعتقلين، إن أحد المعتقلين الهاربين أمضى في المعتقل 25 عاما، وآخر عمره 35 عاما وأمضى 15 عاما، أي منذ أن كان شابا صغيرا عمره 20 عاما.. لماذا؟.

يجب أن تفرج إسرائيل فورا عن جميع المعتقلين وإلا ستستيقظ كل يوم على «حفرة» تسجل بطولة وصمودا جديدا للشعب الفلسطيني العربي، والعار والخزي والهزيمة لإسرائيل.

15 أغسطس 2021

أنا و«عنق الزجاجة»

 

أعترف بأنني لم أكن طالبا دحيحا في الثانوية العامة، أو «عنق الزجاجة» كما يسمونها، فقط كنت أحرص على لملمة المنهج طوال العام من المدرسة «إذا ربنا هدى المدرس وشرح في الفصل»، أو في بعض السناتر «الحصة بـ10 جنيه والحسابة بتحسب»، لكن الدروس الخصوصية ودخول بيوت الناس و«جلسات الشاي والكيك» للمدرسين، لم تعرف طريقها إليَّ!

طوال حياتي التعليمية لم أرسب في أي سنة، كما أنني لم أكن أذاكر بالعشر ساعات في اليوم، كان وقت ذروة مذاكرتي في نهاية الفصل الدراسي، تتحول الحجرة إلى معسكر يدخله الشاي وتضيئه «لمبة سهَّاري» وتتعالى فيه أصوات من إذاعة القرآن الكريم أحيانا أو إذاعة «نجوم إف إم» أحيانا أخرى!!

كان يوم الجيولوجيا من أصعب الأيام التي مرت عليَّ، لم يعرف النوم طريقه إلى جفوني إلا دقائق، كانت والدتي الراحلة مشفقة عليَّ كثيرا في هذا اليوم وطمأنتني ببعض الكلمات «اللي تخاف منه مش هتلاقي أحسن منه إن شاء الله»، وبالفعل جاء الامتحان سهلا وعدت إلى المنزل سعيدا ومنتصرا، وفيما بعد كانت درجتي في الجيولوجيا 48 من 50.

التدريس وتربية الأجيال كان من ضمن أحلامي، مدرس تاريخ أو مدرس لغة عربية، وفي المرتبة الثانية بعد التدريس كنت أحلم بالصحافة والإعلام، خاصة أنني كنت أعشق سؤال التعبير في امتحان العربي ووضع الكلمات في جملة مفيدة، وكنت محبا للظهور طوال حياتي الدراسية، لدرجة أنني كنت من بين طلاب الإذاعة المدرسية، حيث كنت أقرأ آيات من القرآن الكريم.

%88 كانت هي النسبة التي خرجت بها من «عنق الزجاجة» لألتحق بآداب إعلام حلوان، وأبدأ طريقا جديدا، فيا كل من ذاكرتكم 10 ساعات في اليوم أو أقل من ذلك بقليل، اطمأنوا، العبد لله كان لا يذاكر حق المذاكرة إلا في ليالي الامتحان.. ولكل مجتهد نصيب على قدر اجتهاده.

1 أغسطس 2021

نحن لا نشرب الويسكي يا حمو

بالأمس، واصل المدعو حمو بيكا استفزازه للناس وقال بمنتهى البجاحة «مفيش حد في مصر ما بيشربش ويسكي»!!، وفي علم المنطق هذا يُسمى «تعريف جامع غير مانع»، حيث إنه جمع كل الناس في مصر تحت مظلة شرب الويسكي ولم يمنع ولم يستثنِ أحدا من شرب الويسكي، يعني «حمو بيه بيكا» يريد أن يقول إن المصريين كلهم بجميع مستوياتهم وصفاتهم يشربون هذا النوع من الخمر!.. تخيل!!.. هذا تصريح خطير ينطوي على إهانة وافتراء.

ولكن لماذا نذكر سيرة علم المنطق مع شخص مثل حمو بيكا يفتقر لأبسط قواعد المنطق؟، بل إذا سألته «ما هو المنطق؟» سيرد بإجابة أكثر كوميديا من الراحل سعيد صالح في مسرحية «مدرسة المشاغبين»!!

مثل هذا «البيكا» لا يعنيهم تلويث سمعة شعب ودولة بالكامل من أجل الشهرة والتريند والفلوس، رغم أن تلك الشهرة والفلوس مصدرها هو نفس الجمهور الذي يشاهدهم وبعض الفنانين والإعلاميين والمخرجين الذين سمحوا لهم بالظهور والانتشار، وبالمناسبة هم أنفسهم الذين اتهمهم «الأخ بيكا» الآن بشرب الويسكي!!

إن حمو بيكا وأمثاله لهم مطلق الحرية في أن يقدموا ما شاؤوا من غناء أو تمثيل «مهما كان مستواه الفني» طالما لا يدعو للفجور أو للتحريض الصريح على أي أخطار تهدد سلامة المجتمع، ولكن لا يحق له ولا لأي أحد أن يتهم ويرمي الشرفاء بالخطايا، هذه جريمة سب وقذف.

إن مقاطعة «بيكا» و«حزب الغلاطين» الذين أساؤوا وما زالوا يسيئون لمجتمعنا هو واجب على كل مواطن، بجانب الموقف القانوني بالطبع من أجل ردعهم ومنع تطاولهم وإساءتهم المستمرة للمواطنين، فاليوم وقد حكم علينا ونعتنا بشرب الويسكي لا نعرف بماذا سيحكم علينا وبماذا سيصفنا غدا!!

25 يوليو 2021

فيروس «دراكولا»

مؤخرا انتشرت موجة من العنف المجتمعي والأسري في بلدنا، فاحت رائحتها وظهرت في ذلك الفيديو البشع الذي يظهر فيه وحش آدمي ينهال على زوجته بعشرات الطعنات وكأنها قتلته من قبل فعاد إلى الحياة على طريقة «الزومبي» لينتقم منها ويقتلها بهذه الطريقة التي تقشعر لها الأبدان.

ماذا حدث للمصريين؟.. ما الذي يدفع أي كائن لأن يرتكب مثل هذه الجريمة؟.. هل هذه الدنيا الزائلة كلها تستحق أن نموت بحبال المشانق أو مقتولين أو منتحرين؟.. لماذا تنتشر جرائم القتل بين الأزواج؟.. إذا لم تكن راضيا عن زوجتك أو عن زوجك فلماذا اخترعوا الطلاق إذن ولماذا تزوجتما من البداية أصلا؟.. وإذا كانت زوجتك لا تريد العودة إليك فهذا اختيارها الذي يجب ألا تحاكمها عليه بالقتل كما فعل هذا السفاح بزوجته في بني سويف.

إن كثيرا من الشباب والفتيات أصبحوا يخشون فكرة الزواج لمجرد أنهم قرأوا وشاهدوا وسمعوا عن تلك الحكايات المرعبة التي ظنوا أنها ستظل مجرد أفلام ومسلسلات على شاشات الدراما والسينما، ليفاجأوا بأنها أصبحت واقعا مريرا!

يجب أن نعترف بأن مجتمعنا مريض بفيروس خطير.. فالعنف أصبح عادة يومية - ناهيك عن الانحلال الأخلاقي الذي أغرق منصات التواصل الاجتماعي بالصوت والصورة- هذا الفيروس الذي جعل من آدميين كثيرين «مصاصي دماء» لا يعرفون الرحمة، والقتل لديهم «أسهل من شكة الدبوس»، في الوقت الذي يصعب على الإنسان الطبيعي حتى مجرد سماع حكاية مرعبة عن زوج مزق جسد زوجته، أو زوجة قتلت زوجها بالتواطؤ مع العشيق، رغم أن القتل ظلم عظيم للنفس والغير وعقوبته مغلَّظة في الدنيا والآخرة، فاتقوا الله ولا تخسروا دنياكم وآخرتكم.

20 يوليو 2021

عيد زمان

قبل حوالي ٢٠ عاما أو أقل قليلا كان عيد الأضحى المبارك يأتي على مصر في الشتاء.. فتجد الشباب يسهرون في الوقفة ويتجمعون حول الأخشاب المشتعلة من أجل الدفء.. ولا بأس من بعض اللحم المشوي الذي يحضره "المقتدرون" في الشلة.

السهرة تمتد حتى صلاة العيد.. العجول في ساحة المسجد الخارجية تنتظر "ساعة الصفر" وسكين الجزار الذي ربما يكون أهون وأرحم من مضايقة "العيال" لحيوانات الأضاحي ومحاولات بعضهم ركوب العجل على طريقة "الماتادور الإسباني"!!

أحد المسنين يوبخ الصغار منفعلا "جرى إيه ياض إنت وهو.. خلاص مبقاش فيه رحمة حتى للحيوان؟!!".

والشهادة لله.. شتان بين عيال زمان و"مفاعيص" هذه الأيام.. زمان كانت مجرد شخطة كفيلة بأن يلزم كل عيل حدوده.. أما الآن فيكفي أن تعاتب أحد "المفاعيص" لينظر إليك من أسفلك لأعلاك قائلا "إيه يا عم فيه إيه"!!

وكانت هيبة الكبير حاضرة أيضا في صلاة العيد.. فهل يجرؤ أي عيل أن يمزح مع صديقه أثناء الصلاة؟.. بالطبع لا.. لأن فضيلة الشيخ علَّمهم أن الهزار أثناء الصلاة حرام.. ثم إن أحد الأسطوات لو علم أنهم فعلوا ذلك لن يرحمهم وسيريهم الويل كما يفعل مع صبيه المتمرد.

ومن أسوأ العادات الطفولية التي اقتحمت العيد.. معركة الرش بدم الأضحية والتي يفقد فيها جميع الحاضرين هيبتهم وهيبة ملابسهم.. وأيضا المسدسات الخرز التي تضرر منها الكبير والصغير وحولت الشوارع إلى "حرب عيالية"!!

"ده عيد اللحمة مش عيد فلوس العيدية".. الجملة التي صارت دستورا للعيد الكبير ومهربا ذكيا من دفع العيدية.. وعليك إذن انتظار اللحمة.

مساجد مصر في العيد كانت عامرة بمساهمات أهل الخير.. فتجد صواني الفتة واللحمة وقد اجتمع عليها الأهالي قبل زمن كورونا الذي فرق الجميع.

وفي أمسيات العيد تأتي الخروجات والفسح مع الشلة.. إلى ميدان التحرير ومول طلعت حرب ومركب على النيل.. كانت نزهة بسيطة وغير مكلفة ولكنها كانت غنية بسعرات السعادة والبهجة. 

طعم فرحة العيد زمان كان له عدة نكهات.. الآن وبسبب كورونا والتحديات الاجتماعية والاقتصادية فرضت بعضا من الملل على المشهد.. ملل ما زال بعض الأقوياء والصامدين قادرين على التكيف معه أو حتى تلوينه وتغييره كما يشاؤون.. بالتأكيد كل شخص يحمل ولو لونا واحدا من أصناف السعادة التي تضمن له البقاء على قيد الحياة.  

18 يوليو 2021

متلازمة تسريع الزمن

 أحيانا يكون عمرك 30 عاما أو 40 عاما إلا بضعة أشهر، ولكنك لا تقول 29 أو 39، وعلى طريقة موظف الكاشير أو البائع الجائل تغفل ذكر الأشهر أو «الفكَّة» مقللا من قيمتها وتبدأ في التقريب لأقرب رقم صحيح، وربما تقفز عدة أرقام وترفع نفسك من 35 لـ 40، رغم أن عمرك يقاس باليوم والساعة والثانية «على رأي عبدالحليم حافظ»!! 

إن الموسوعات الإلكترونية دقيقة جدا في هذه الحسبة ولا تعتمد سن الشخصية المشهورة كاملا إلا بعد مرور شهوره وأيامه كاملة، وكذلك وسائل الدفع الإلكترونية التي لن تمنحك الخدمة أو السلعة قبل سداد المبلغ كاملا بكوامله وأنصافه.. فلماذا صار الحاسوب أكثر دقة وأمانة من بعض البشر؟

لا شك أن اتجاهك لهذه المتلازمة، هو دليل واضح على أنك ترغب في مرور الأيام سريعا، ربما لقسوتها عليك أو لأنك شخص متعجل بطبعك «لا تطيق الانتظار» وتقول لنفسك «هل سأنتظر حتى شهر كذا وطالما أنها أشهر قليلة فما المانع من تسريع الزمن والوصول إليها قولا قبل الوصول إليها فعلا وواقعا؟».

إن تسريعك للزمن ربما يحمل دلالة أخرى، أنك تستمد قوتك من كبر السن، فأنت شخص مقهور غالبا وضعيف إلى حد ما، ولا حيلة لديك إلا أن تطلق رقما كبيرا على سنك ليمنحك بعضا من الهيبة المفقودة!!

هذا لا يعني أيضا من الناحية الأخرى أن تمنح نفسك عمرا أقل من عمرك الحقيقي، كما يفعل بعض المشاهير وخصوصا المتقدمين في السن منهم، فلا بد من الاعتدال والوسطية، فلا ترجع إلى الخلف ولا تقفز إلى الأمام، ولتخرج من آلة الزمن التي تظن نفسك تعيش فيها وتظن أنك تنتقل بها أينما شئت، ولتعش كل لحظة حالية في حياتك دون أن تحمل هم اللحظة الماضية التي لن تستطيع محوها، ولا اللحظة المقبلة التي لن تستطيع التنبؤ بها.

9 يوليو 2021

الارتقاء بالإنسان أهم من تطوير «الطوب»

 بالأمس، التقيت أحد سكان المدن الجديدة التي تبنيها الدولة وتنقل إليها سكان العشوائيات، و«فضفض» معي الرجل عن عدد من جرائم القتل والتحرش التي شهدتها المنطقة الجديدة التي يسكن فيها، فبعد أن ظن الرجل أنه نجا إلى الأبد من «جحيم العشوائيات» إذا بهذا الجحيم يلاحقه في مسكنه الجديد.. لماذا؟.. وأين المهرب من هذا الجحيم؟

إن الدولة عندما فكرت في «تطوير العشوائيات» كان مفهومها عنه ليس عميقا بالدرجة الكافية.. فلم تضع في حسبانها أيضا الارتقاء بالإنسان وتغيير الأفكار العدوانية عند سكان هذه «العشوائيات».. بالطبع نحن نعلم ونعي تماما أن الجريمة في كل مكان وزمان ولن تنتهي حتى تقوم الساعة.. ولكن مفهوم القضاء على العشوائيات يجب أن يكون أكثر شمولا، لكي نبني على أساس سليم، وحتى لا تتحول هذه المدن الجديدة تدريجيا إلى عشوائيات أخرى.

من القصص المفزعة التي حكاها ذلك الرجل عن منطقته الجديدة أن طفلين في سن العاشرة من عمرهما تشاجرا، فأمسك أحدهما بزجاجة وكسرها ثم غرسها في صدر الطفل الآخر فسقط قتيلا.. ما ذنب هذا الطفل القتيل؟.. بل ما ذنب الطفلين؟.. الطفل المتهم أيضا ضحية التربية الخاطئة والظروف المجتمعية الصعبة التي نشأ فيها.. أحد الطفلين خسر حياته في لحظة.. والآخر قد يخسر حريته إذا سُجن في «الإصلاحية» وقد يخسر أيضا حالته النفسية التي ستهتز بشكل كبير بعد هذه الجريمة البشعة وبعد سجنه.

حدَّثني الرجل أيضا عن تعرض ابنته الصغرى لمضايقة من أحد الصبية في هذه المساكن الجديدة، فبينما كانت تمشي في الشارع نادى عليها ذلك الصبي فلم تجبه، فإذا به يمسك يدها فجأة فانتفضت الفتاة وهرولت لتشكو لأبيها الذي انتوى تحرير محضر لهذا الصبي ولكنه لم يفعل بسبب أن والدي الصبي توسلا للرجل حتى يتنازل ويصفح عن ابنهما وأنه «عيل وغلط» فوافق الأب بشرط أن تصفع ابنته الصبي على وجهه، فلما صفعته تنازل الرجل استجابة لتوسلات الأبوين.

هل هذه الجرائم وغيرها وهذا الرعب اليومي يمكن أن نسميه قضاء على العشوائيات؟.. إن التطوير ليس في تلوين الحجارة ورصف الطرق وتأثيث البيوت بأرقى الأثاث.. ما فائدة ريش النعام إذا كان ينام عليه الأفاعي والذئاب؟.. إن التطوير ليس تغيير الحجارة بل تغيير النفوس والقلوب التي صارت كالحجارة أو أشد قسوة، وهنا يجب تفعيل مهام المدارس ودور العبادة ومنظمات المجتمع المدني ومراكز التأهيل، والأسرة نفسها يجب أن تُحسن تربية الأبناء، حتى نقضي تماما على العشوائيات التي بداخل بعضنا.

5 يوليو 2021

أمراض «صاحبة الجلالة»

أكتب هذه الكلمات.. وأنا مَن أنا؟.. أنا ما زلت طفلا يحبو في بلاط صاحبة الجلالة.. 10 سنوات في مهنة عمرها مئات الأعوام لا يعني الكثير.. كما ينقر العصفور من البحر.. مهنة الصحافة ذات القواعد والجدران الراسخة القوية التي درسناها على مدار 4 سنوات جامعية.. ولكن ها هي الجدران باتت «مشروخة» والأعمدة تهتز.. فماذا حدث لمهنة «السلطة الرابعة»؟

الدخلاء وغير الأكفاء الذين تصدروا المشهد، وأبرز مثال تلك «الحِشرية» التي تدَّعي «النضال» وهي تخوض في حياة الناس الخاصة وتقتات على أسرار بيوتهم، وبدلا من أن تحمل قلما ومصباحا ينير الطريق تمسك بمعول هدم لحياة الناس، وهي تذكِّرنا بذلك المغمور الذي حقق شهرة زائلة على حساب تلويث سمعة المرحوم نور الشريف وعدد من الفنانين، ويبدو أن هذه «المدرسة الرخيصة» تحولت إلى «تنظيم مخيف» يظن أن الصحافة مهنة البحث عن الفضائح لدرجة أن هذا هو المفهوم الذي ترسخ عند بعض الناس عن هذه المهنة الراقية.

الانحراف عن منهج التعبير عن هموم الناس واللهث خلف «التريند» وخصوصا في الصحافة الإلكترونية.. وباتت عبارة «أصلها طالعة تريند» هو صك الغفران أو التأشيرة التي يمر من خلالها توافه الموضوعات وأكثرها ابتذالا «في زحمة التريند»، وأصبح الصحفي وخصوصا رجل الديسك مجرد موظف عند «التريند» ويهز رأسه إيجابا كلما سمع كلمة «أصلها تريند»، وتحول الديسك إلى «عسكري مرور» يفتح الطريق لجميع السيارات بدلا من أن يكون محكِّما وفاصلا في المادة الصحفية، وإذا فكر في الاعتراض فسيكون غريبا على «المنظومة الجديدة».. منظومة «التريند»، وستلفظه وتطرده على الفور.

الأزمات المالية المتلاحقة التي تضرب المؤسسات الصحفية، والتي ازدادت حدتها مع تفشي وباء كورونا، ومع الاجتياح التكنولوجي الرهيب في شتى المجالات ولا سيما في الصحافة، فوجئنا أمس بقرار تحويل الصحف القومية المسائية إلى إصدارات إلكترونية، وهو قرار مؤلم من الناحية المادية لأنه يعكس الأزمات المالية لهذه الصحف وما قد يسببه القرار من الاستغناء عن بعض العاملين بالإصدار الورقي أو التأثير سلبا على رواتبهم، كما أنه مؤلم من الناحية النفسية لأولئك الذين «ارتبطوا» بالإصدارات الورقية وما تقدمه من تحليلات وآراء وما وراء الخبر.

حالة القهر التي تمارس داخل بعض المؤسسات، حيث لا مكان لكفاءة أو أقدمية، إنما الكارت الرابح يكون من نصيب الشللية.. النفاق.. الكلمة المعسولة.. المظهر الجذاب.. الفهلوة.. الصوت العالي.. فلا بد أن يكون لك «مخالب» لكي تستطيع أن تدافع عن حقك بضراوة شديدة، وتظهر «العين الحمراء» لكل من يجرؤ على المساس بحقك أو مكانتك التي تستحقها بكفاءتك وأقدميتك.. أو أن تكون «ثعلبا» يجيد المراوغة والمداهنة لتحقيق المكاسب، أما إذا كنت مِثاليًا وعَمَليا فلا تتوقع أن يأتي إليك حقك راكعا، وستظل مقهورا ويائسا وسيقل شغفك وتذبل روحك.. وهو المرض الذي أصاب معظم المؤسسات الصحفية بسبب الشللية والقهر وعدم تحقيق العدالة في المناصب والأجور.

هذا غيض من فيض، فالصحافة كأي مهنة تعاني من أزمات وأمراض، وفي الوقت ذاته هناك نماذج مشرفة وكوب نصف ممتلئ يبعث على التفاؤل في المهنة، وكل من يعمل في بلاط صاحبة الجلالة بالتأكيد لديه مآسٍ وأوجاع وهموم أكثر من تلك التي ذكرتها، إن مهنتنا اسمها «البحث عن المتاعب» فلا يجب أن تكون هي أيضا في حد ذاتها مليئة بالمتاعب.. إن حياة وصحة الصحفيين الجسدية والنفسية تواجه المخاطر إذا استمر العمل في هذا المناخ القاتم.

3 يوليو 2021

يا اللي ظلمتوا الصيف

 بدايةً أقول إنني قبل الشروع في كتابة هذه السطور، تخيلت كم الهجوم والاستياء الذي سأتعرض له، بسبب حديثي بشكل إيجابي عن «بعبع الصيف»، بل إنني تخيلت أن أحدهم قد يتقدم ببلاغ ضدي لأنني انحزت إلى الصيف الذي يعتبره البعض «كيانا إرهابيا»!، وقد يتطور الأمر إلى محاولة اغتيالي!.. أو على أقل القليل أحظى بكمية لا بأس بها من «أغضبني» على غرار «دكتور كلية العلوم» الذي ثار عليه طلابه المظلومون!!

ولكن.. الحق أقول، تعالوا ننظر إلى الحكمة الإلهية من خلق الصيف وبالتأكيد سنجد مميزات لهذا الفصل الصعب، الذي لم يخلقه الله عبثًا، وحاشاه سبحانه وتعالى أن يخلق شيئا عبثا، فكما أن مولانا خلق الليل بسكونه وهدوئه وجلسات السمر والمرح بين العائلة والأصدقاء ثم الخلود إلى النوم والراحة، خلق أيضا النهار من أجل أن تدور عجلة الدنيا ونعمل ونكسب أرزاقنا الحلال التي بها نحيا، وكما خلق الرجل بطباعه الشديدة خلق الأنثى بطباعها الرقيقة، وكذلك خلق الشتاء ببرده القارس وخلق الصيف بحرارته الرمضاء.

وفي الصيف تنمو العديد من الفواكه التي اتخذها هذا الفصل بشكل حصري لأنها تتطلب درجة حرارة عالية، ومن أشهرها المانجو والبطيخ والخوخ وهي كلها فواكه تمد الجسم بالعديد من الفيتامينات الضرورية، وفي الصيف نتناول المشروبات شديدة البرودة والمثلجات بطعمها اللذيذ وهو ما لا نستطيع فعله في الشتاء بالتأكيد وإلا أصبنا بنزلات برد.

في الصيف نرتدي أبسط الثياب «اللي على الحبل» ولا نضطر إلى التكلف والبحث عن الجاكيت والبلوفر والقميص و«البوت» و«الشوز» وحفنة من الملابس كما يحدث في الشتاء، فقط «شورت وفانلة وكاب» تكفي للغرض.

يأتي الصيف ويبدأ معه موسم المصيف الجميل ونستعيد ذكريات «مصيف العائلة» ونقضي أحلى اللحظات بين الرمال الذهبية والبحر الصافي، أو تحت «دُش» منزلنا المتواضع أو داخل «البانيو»، في حال عدم توافر الوقت أو المال من أجل المصيف!!

ولطالما كان الصيف ملهمًا لعالم الفن، فنجد مثلا «في الصيف لازم نحب» فيلم مصري كوميدي صدر عام 1974، الذي ضم نخبة من ألمع النجوم، ومن قبله «البنات والصيف» عام 1960 من تأليف إحسان عبدالقدوس وإخراج ثلاثة من ألمع المخرجين وهم فطين عبدالوهاب وصلاح أبو سيف وعز الدين ذو الفقار، ونجد أيضا فيروز وهي تتغنى قائلة «حبيتك بالصيف.. حبيتك بالشتا».

الخلاصة، أنا أحب الصيف كما أحب الشتاء والربيع والخريف، وأحب كل أيام الأسبوع أيضا ولا أتشاءم من يوم الثلاثاء كما يفعل البعض، لأن الزمان من مخلوقات الله التي جعلها من أجل سعادتنا ومن أجل أن نعيش في بيئة يغلب عليها التنوع، فتخيل لو أن الدنيا شتاء فقط سنتجمد ولو أنها صيف فقط سنموت من الحر، ومن هنا جاءت الحكمة الإلهية التي هيأت لنا هذا التعاقب والتنوع الإبداعي الجميل.. فسبحان الله والحمد لله.

1 يوليو 2021

«مَشرط» وإخوته

يحفظ جيل التسعينيات عن ظهر قلب، مسلسل الكارتون «بكار»، الذي أبدع في تأليفه الكاتب عمرو سمير عاطف، ومن إخراج منى أبو النصر، ويتناول المسلسل شخصية خيالية لطفل من أسوان يحب بلده وأسرته وأصدقاءه، ويتصدى في سبيل ذلك لأحد لصوص الآثار ويُدعى «مَشرط» والذي يدبر الحيلة تلو الأخرى من أجل سرقة تاريخ مصر الأثري وبيعه لـ«الخواجات».

ولقد أبدع القائمون على العمل في رسم شخصية «مشرط» شكلا ومضمونا، وإضفاء أسلوب ساخر لشخصيته الساذجة الشريرة غير المكترثة ببيع تاريخ مصر للخارج، وإنما كل همه «الفلوس» التي جعلته يُربي لحمًا من الحرام في جسده الممتلئ.

«مشرط» كان فكرة، والفكرة لا تموت، بل إن هذه الشخصية الخيالية كانت انعكاسا واضحا للمجرمين الآن في أرض الواقع، الذين يظنون أن الآثار آثارهم والفلوس فلوسهم والدفاتر دفاترهم، وأسسوا في سبيل ذلك شبكات من المافيا التي صارت أشبه بوحش له رأس أو عدة رؤوس وذيول.

هذه الشبكة أو الشجرة هي المكون الأساسي لعالم الجريمة المنظمة العالمية السري، حيث يكون على رأس الشبكة الإجرامية «زعيم» وغالبا يكون شخصية معروفة في المجتمع ومؤثرة ولكنها تختبئ خلف عدة ستارات، مثل الأعمال الخيرية أو الحصانة البرلمانية أو «العلاقات العامة التقيلة» وغير ذلك، ويعاونه مجموعة من «صغار الحرامية» الذين يأتمرون بأمره ويقتاتون من فتات جرائمهم جميعا التي يذهب نصيب الأسد من مكاسبها الحرام إلى «رئيس العصابة».

كل حرامي وكل فرع من الشجرة في العصابة له دور، ففي عالم تهريب الآثار مثلا بالتأكيد هناك فرع لتحديد ورصد مكان الخبيئة الأثرية، ثم يأتي دور فرع الحفر لاستخراج الآثار أو سرقتها إذا كانت في متحف أو معبد أثري، ثم دور فرع التغليف والإخفاء والذين يتفننون في إخفاء الآثار عن أعين الأمن والشرفاء من الناس، استعدادا للمرحلة الأخيرة وهي مرحلة التهريب للخواجة الذي سيدفع بالعملة الصعبة من أجل سرقة تاريخ مصر والإتجار به والتربح منه.

وما يؤكد أن عملية تهريب الآثار هي جريمة منظمة بامتياز، أننا نطالع يوميا عشرات الأخبار عن أشخاص في معظم أنحاء البلاد لقوا مصرعهم أثناء البحث عن آثار بسبب سقوط الردم فوق رؤوسهم، بجانب ما ظهر في قضية البرلماني المشعوذ والتي كشفت تورط أحد رجال الأعمال المشهورين في تمويل جريمة سرقة آثار مصر.

إن جريمة التنقيب وسرقة آثار مصر لا تختلف شيئا عن الإرهاب الذي حاربته مصر لسنوات طويلة، إن سرقة التاريخ هو سطو خبيث على كيان وكرامة الوطن، بل هو أشبه بالاغتصاب والاحتلال.. يجب أن نتصدى بكل قوة لـ«مَشرط وإخوته».


28 يونيو 2021

الحياة الخاصة «تريند».. قرب قرب

 من النعم الكثيرة التي وهبها الله للإنسان، نعمة السَتر، ووجود «أربع حيطان» تضمن السرية والأمان التام لحياة الناس بحلوها ومرها وحسناتها وسيئاتها وجدها وهزلها، هي نعمة عظيمة يجب أن نشكر الله عليها ليلا ونهارا، الستر هو أساس كل شيء في حياتنا، فالجلد يستر اللحم ويحميه، وتوصل الإنسان منذ قديم الأزل إلى اختراع الملابس ليستر جسده ولكي يتميز ويرتقي عن بقية المخلوقات، إذن فالستر هو فطرة إنسانية، ولا يوجد إنسان سوي يحب الفضائح.

ومع ظهور السوشيال ميديا والتطور التكنولوجي الذي أسيء استخدامه من البعض، أصبح «اللي ما يشتري يتفرج»، وأخذ بعض المشاهير يروجون ويفضحون حياتهم الخاصة بقصد أو بدون بقصد، مع تورط بعض وسائل الإعلام - للأسف- في تلك المهزلة.

في شهر رمضان الماضي ودون مراعاة لحرمة الشهر الكريم، خرج مطرب شاب انفصل عن إعلامية شابة ليكشف أدق التفاصيل عن حياتهما الخاصة وما حدث من إجهاض لجنينها و«مين اللي صرف على مين»، وكل هذا في برنامج تقدمه مخرجة اشتهرت بالأفلام الفاضحة.. فلم يكن هناك استغراب من أن يكون برنامجها بهذا الشكل المتدني، ما مؤهلاتها الإعلامية والأخلاقية التي تسمح لها بتقديم برنامج على قناة يشاهدها قطاع من الجمهور؟!!.. ومن الذي سمح لها بتقديم مثل هذا البرنامج المستفز؟!!

ومنذ أيام خرجت فنانة ونجلها وهما يمارسان الرياضة بشكل أثار سخرية واستياء كثيرين، وهنا لا نعتب فقط على الجمهور الذي تطاول على الفنانة، بل نلوم أيضا الفنانة نفسها التي كان يجب أن تكون أكثر ذكاء وتدرك أننا في مجتمع يعاني من مرض التنمر، تنمر وعنصرية وجدت طريقها حتى لمن يرتدين «المايوه الشرعي»، فوجب عليها أن تعلم أن صورة خاصة مثل هذه ستعرضها للتنمر والإساءة.

إن الفنان أو المشهور عندما تسيطر عليه شهوة حب الظهور و«الشو» لدرجة تجعله لا يفرق بين نشر أعماله الفنية بشكل مشروع وبين فضح حياته الخاصة بشكل مهين هي التي شجعت بعض وسائل الإعلام على انتهاك حرمة حياته، فعلى المشاهير أن يكونوا حريصين كل الحرص فيما ينشرونه عن حياتهم الخاصة، فلا يجب أن تنشر الخلافات المنزلية أو العلاقات الزوجية التي مكانها بين جدران البيوت وليس في تسجيلات صوتية كما حدث مع والد المطرب المشهور وما نسب إليه من تسريبات عن علاقة ابنه بزوجته المطربة الشهيرة، بالأمس.

إن انتشار منهج البحث عن الفضائح وركوب الجانب السلبي من التريند بمعظم وسائل الإعلام الآن هو الذي جعل تناول الحياة الخاصة للمشاهير وجبة إعلامية دسمة عادية، وأصبح الإعلام يراقب خناقات الفنانين وعلاقاتهم، أكثر من أعمالهم الفنية التي هي الأجدر بالمتابعة والتغطية.

يجب تفعيل تشريعات إعلامية قوية تحفظ الحياة الخاصة للناس، سواء كانوا مشاهير أو من العامة، ويجب على هؤلاء المشاهير وغيرهم أن يدركوا نعمة الستر، وأن هناك مساحات معينة في حياتنا الخاصة يجب ألا تنشر، لأن ضرر ذلك أكثر بكثير من نفعه، وعلى وسائل الإعلام أن تتوقف عن استفزاز الجمهور بنشر أدق تفاصيل الحياة الخاصة للناس، ولو «التريند» سيظل يعزف على نغمة الحياة الخاصة، فليذهب إلى الجحيم هو وأتباعه.

26 يونيو 2021

القراءة كمان وكمان.. حكايتي مع عالم الكتب

 أيام قليلة وينطلق معرض القاهرة الدولي للكتاب في 30 يونيو 2021، هذا الموسم الذي يكون فرصة رائعة للعودة إلى عالم القراءة الواسع بعد أشهر يقضيها معظمنا بين أمواج الحياة اليومية المتلاطمة، ولقد بدأت تجربتي المتواضعة مع القراءة منذ المرحلة الابتدائية، عندما كنت أشتري الأعداد القديمة من مجلات بلبل وميكي وسمير وعلاء الدين، من رجل كان يفترش الأرض بجوار مترو السيدة زينب، وما زلت أذكر ملامح هذا الرجل حتى الآن رغم مرور سنوات كثيرة جدا، فقد كان يرتدي جلبابا وفوقه «جاكيت» ويعتمر على رأسه «شال»، ويستقر على وجهه شارب متوسط الطول والكثافة، وقد احتلت المياه الزرقاء إحدى عينيه، وكان يبيع أي مجلة بجنيه.

ثم اتجهت بعد ذلك إلى روايات الجيب، وخصوصا «رجل المستحيل» للراحل المبدع الدكتور نبيل فاروق، وكنت كلما أعجبني سطر أو جملة أقلب الكتاب لأنظر إلى صورة المؤلف نبيل فاروق على ظهر الكتاب، وكأنني أوجه التحية له على جمال الأسلوب والسرد والحفاظ على اللغة العربية الفصحى بمنتهى الإخلاص والبراعة، وكنت أستبدل أعداد «رجل المستحيل» الجديدة بالقديمة من سور كتب السيدة زينب بربع جنيه.

وإلى سور السيدة زينب حيث بدأت عاملا في بيع الكتب قبل سنوات عملي بالصحافة، وقتها كنت في السنة الأخيرة للجامعة، وإذا كانوا يقولون في الأمثال «طباخ السم بيدوقه» فما بالك ببائع الكتب والمعرفة؟.. كنت أنهل من كل كتاب بضع صفحات ومن كل بستان زهرة، هكذا كانت عادتي في القراءة فلا أذكر أنني انتهيت من قراءة كتاب «من الجلدة للجلدة»، إلا بضعة كتب، من بينها «الأمير» للإيطالي نيكولو ميكافيللي، والمجموعات القصصية للمبدع الراحل يوسف إدريس، وأبرزها «بيت من لحم»، وكتاب «مغامرات صحفي في قاع المجتمع المصري» لـ عبدالعاطي حامد، الصحفي بـ«أخبار اليوم» في فترة السبعينيات، وكتاب «النكتة السياسية» لـ عادل حمودة، وقرأت بعضا من «النحو الشافي» للأردني محمود حسني مغالسة، وأسعى للانتهاء من قراءته كاملا لأنه كتاب مفيد ومبسَّط.

الآن، وبحكم عملي محررا للديسك، فيوميا أقرأ آلاف الكلمات في المواد الصحفية التي أراجعها قبل النشر، وبالتبعية أقرأ عشرات الأخبار هنا وهناك لمتابعة الأحداث، وكل كلمة أقرأها أتعلم منها، فأصل في النهاية إلى نتائج مثمرة، كأن أكتب موضوعا أو مقالا، أو حتى أبني موقفا أو قرارا، وكل هذا بفضل القراءة التي هي غذاء العقل، فعقل لا يقرأ هو عقل هزيل أو ليس عقل إنسان من الأساس، فمن ضمن الفروق بين الإنسان والكائنات الأخرى أن «الإنسان كائن قارئ».

يا أمة «اقرأ»، علموا أولادكم أن السلاح الحقيقي والوجاهة الاجتماعية ليست في أحدث موديل من السيارات أو في التقليد الأعمى لبعض المشاهير من طريقة أزياء أو تصفيفات شعر أو طريقة كلام، إنما السلاح الحقيقي في أمة تقرأ.. السلاح الحقيقي أمام موجات غسيل الأدمغة والغزو الثقافي الذي يمارسه الغرب عبر الأفلام أو ألعاب الفيديو.. اللهم اجعلنا ممن يحرصون على القراءة.

24 يونيو 2021

شركة «المُحدِثين» المحدودة

  • عجيب ومستفز هو أمر الذين طفحوا على الساحة حديثا وعملوا فلوس من الهوا والضحك على الناس وعلى أنفسهم، فتكون نهايتهم إما السجن كما حدث مع حنين حسام ومودة الأدهم، أو يبقون خارج السجن يستفزون البسطاء باستعراض سياراتهم الفاخرة وزينتهم الزائلة، ثم يتهمون الناس بالحسد والحقد كما فعل بالأمس المدعو حمو بيكا!!

    وبعد أن كانت فضة المعداوي في مسلسل الراية البيضا هي التي تنادي وتقول «ولاااا يا حموووو.. التمساحة يلااااا»، أصبح «حمو» الآن هو الذي يمتلك أحدث موديل من السيارات ويخشى من الحسد و«بيخمِّس في وشنا كمان»، ويا للعجب!

    على ماذا سنحسدكم؟، هل أصبحت الحياة مجرد أموال وسيارات وشهرة فقط؟.. ماذا عن نعمة الستر والصحة وقضاء الحوائج بالكتمان الذي أمرنا الله به؟ وأن تعيش على قدر حاجتك فلا تطغى ولا تتجبَّر كما يفعل هؤلاء «المُحدِثون».

    من حق هؤلاء أن ينشروا ما يريدون على صفحاتهم الشخصية ولكن هناك حدودا لكل شيء حتى الحرية، فلا يجب أن تتعارض حريتك مع قيم المجتمع المصري المحافظ.. لا شتائم ولا عري ولا تحريض على العري أو العنف.. وفي نفس الوقت لا تتهم الناس مسبقا بالحسد والحقد على ما عندك لأن هناك نِعما أخرى عند هؤلاء الناس أنت محروم منها.. فلا أحد كامل.. وإذا كنت تخشى الحسد فلا تنشر شيئا من أساسه.. لأن زمان قالوا لنا إن «اللي بيخاف من العفريت بيطلع له»!

    21 يونيو 2021

    «رمضان الأب»

    في الحقيقة لا أحتاج كثيرًا إلى «يوم الأب» لأتذكر أبي الراحل وأفضاله بعد الله على العبد لله، فكل يوم أستدعيه في ذاكرتي هو ووالدتي الراحلة، وأقول «ربِ ارحمهما كما ربياني صغيرا»، فهذان العظيمان، الأب والأم، لا تكفي عشرات الكتب للحديث عن دورهما وكفاحهما في تربية الأبناء.

    ولـ«رمضان الأب» مواقف عديدة لن تمحوها الأيام، فهذا الرجل لطالما كنت أسمع دعواته ساجدا وهو يرجو من الله «دوام الرزق الحلال»، حيث إن «الأسطى رمضان» بعد خروجه على المعاش من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 1998 لم يتقاعس ويمكث في منزله ليلعب الدومينو أو الكوتشينة مكتفيا بالمعاش، رغم أنه حق مشروع لرجل تجاوز الستين عاما في ذلك الوقت، لا أقصد «الدومينو والكوتشينة» بالطبع إنما أقصد الراحة التامة والاسترخاء والاستمتاع بما تبقى من العمر، ولكن لأن يده اعتادت العمل والشقاء فواصلت السعي، وكان «رمضان الأب» يعمل كهربائيا، وهي المهنة التي امتهنها أثناء فترة عمله في الجهاز، وظل الرجل يتولى صيانة وتركيب الكهرباء للناس ويدخل بيوتهم ويحفظ أسرارهم ويصب تركيزه في «السلك أو اللمبة أو المفك التيست» الذي في يده مبتعدا عن حياة الناس الخاصة.

    بعض الناس كانت لا تقدِّر تعب «الأسطى رمضان» الرجل المسن الذي ظل يعمل في مهنة خطيرة وشاقة مثل الكهرباء حتى تجاوز السبعين من عمره، ففي يوم وجدته يقول لنا شاكيًا «طلعت 90 سِلِّمة واشتغلت وفي الآخر خدت 5 جنيه.. الحمد لله»، وكانت هذه الخمسة جنيه تحمل البركة للمنزل كله، فكنا نحضر عشاءنا بها، أو نشتري بها مستلزمات دراستنا في ذلك الوقت، وكأن دعوة «رمضان» بـ«الرزق الحلال» كانت مستجابة.

    كان والدي رحمه الله يتمتع بقوة بدنية، لا تقل شيئا عن قوة إرادته وإيمانه بالله، فكان السبعيني يحمل السلم الخشبي بذراع واحدة، وكان يمسك بالمطرقة ويضرب الحائط بيد لا تعرف الارتعاش، وأذكر أنه عندما شُرخت قدمي تحت عجلات سيارة أثناء لعبي الكرة، حملني على كتفه إلى «استقبال المستشفى» لعمل جبيرة لقدمي، ولعل هذه القوة والإرادة اكتسبها بسبب ممارسته للمصارعة الرومانية في شبابه ومشاركته في نصر أكتوبر 1973 حيث أصيبت ساقه بشظية تركت جرحا غائرا إلا أنها لم تسبب له أي إعاقة بفضل الله.

    على مائدة الطعام كان «الأسطى رمضان» يتناول طعامه سريعا ويسبقنا قائلا: «أنا آكل أكل الجِمال وأقوم قبل العيال»، ولكن إذا كان لدينا ضيوف يعدِّل مقولته قائلا «وأقوم قبل الرجال»، وكان إذا «اتقمص» أحدنا من الطعام ولم يعجبه يقول له «رمضان الأب»: «اللي ياكل على ضرسه بينفع نفسه» فتقع هذه المقولة كالسحر على أطفال في سننا فيتغير شكل الطعام في أعيننا ونجد أنفسنا نتناوله بنفس راضية.. هذا هو الأب الذي يفتح شهية أبنائه ويلقنهم درس القناعة بأبسط الكلمات.

    بعد تناول الطعام، كانت الأسرة تلعب الكوتشينة وتحديدا «لعبة الشايب»، لأنها أكثر لعبة كوتشينة خفيفة الظل وتناسب العائلة، وكانت أحكام «رمضان الأب» على الخاسر في اللعبة طريفة للغاية، فكان يقول له «يلا قوم اعمل لنا طقم شاي»، أو «قول أنا قرد»، وللحق أننا أصبحنا نفتقد مثل هذه الجلسات العائلية الطريفة التي ماتت الآن بسبب السوشيال ميديا والوسائل الحديثة التي أسيء استخدامها وأحدثت حالة من التفسخ الاجتماعي الرهيب.

    في المصيف كانت لنا أيام ممتعة مع والدي، مجرد تذكرها يخفق القلب وينعش الروح، كنا نذهب إلى جمصة أو رأس البر ضمن مصيف الجهاز المركزي للتعبئة العامة الذي كان يعمل فيه أبي، وكان الراحل غواصا ماهرا يغطس تحت الماء وتبحث عنه لتجده قد أطل برأسه من خلفك ضاحكا أو يرش الماء في وجهك ممازحا، فيكون اليوم الأخير في أيام المصيف بمثابة كابوس لأننا سنحرم من هذه اللحظات الممتعة الرائعة وننتظرها تعود في الصيف المقبل.

    أمام التلفاز كانت ذاكرة «رمضان الأب» ومعرفته لكل أسماء الفنانين حاضرة بقوة، وربما من الأشياء التي ورثتها عنه حب الفن الجميل ونجومه، كنا نجلس أمام الشاشة محدقين أعيننا فيفاجئنا الراحل «تعرفوا الممثل ده اسمه إيه؟».. «لا، اسمه إيه؟».. «عبدالرحيم الزرقاني».. «وده عايش ولا ميت؟».. «يوووووووه، ده مات وشبع موت».

    في أواخر عام 2011 اهتز «جبل الخير والإرادة»، أصيب والدي بجلطة نتيجة مضاعفات مرض السكر الذي أصابه لعدة سنوات، هزم المرض جسده إلا أنه لم يهزم إرادته فكان يحافظ على الصلوات بل إنه حاول ذات مرة أن يمسك بالمفك ويصلح كشاف «اللمبة النيون» مستعيدا أمجاده في الكهرباء، وكانت المفاجأة أنه نجح في تركيب اللمبة، حارب «رمضان الأب» المرض 5 سنوات (2011-2016) حتى التقى ربه في فجر يوم 1 فبراير 2016 وظل جثمانه الطاهر في منزله ليلة كاملة لأنه توفي في وقت متأخر، وكانت هذه فرصة لإلقاء نظرة الوداع والدعاء لهذا الرجل الذي رحل بعد أن أدى رسالته بإخلاص وصبر وقوة.. نَم قرير العين يا رمضان، فلقد تركت أبناء صالحين يدعون لك.