28 يونيو 2021

الحياة الخاصة «تريند».. قرب قرب

 من النعم الكثيرة التي وهبها الله للإنسان، نعمة السَتر، ووجود «أربع حيطان» تضمن السرية والأمان التام لحياة الناس بحلوها ومرها وحسناتها وسيئاتها وجدها وهزلها، هي نعمة عظيمة يجب أن نشكر الله عليها ليلا ونهارا، الستر هو أساس كل شيء في حياتنا، فالجلد يستر اللحم ويحميه، وتوصل الإنسان منذ قديم الأزل إلى اختراع الملابس ليستر جسده ولكي يتميز ويرتقي عن بقية المخلوقات، إذن فالستر هو فطرة إنسانية، ولا يوجد إنسان سوي يحب الفضائح.

ومع ظهور السوشيال ميديا والتطور التكنولوجي الذي أسيء استخدامه من البعض، أصبح «اللي ما يشتري يتفرج»، وأخذ بعض المشاهير يروجون ويفضحون حياتهم الخاصة بقصد أو بدون بقصد، مع تورط بعض وسائل الإعلام - للأسف- في تلك المهزلة.

في شهر رمضان الماضي ودون مراعاة لحرمة الشهر الكريم، خرج مطرب شاب انفصل عن إعلامية شابة ليكشف أدق التفاصيل عن حياتهما الخاصة وما حدث من إجهاض لجنينها و«مين اللي صرف على مين»، وكل هذا في برنامج تقدمه مخرجة اشتهرت بالأفلام الفاضحة.. فلم يكن هناك استغراب من أن يكون برنامجها بهذا الشكل المتدني، ما مؤهلاتها الإعلامية والأخلاقية التي تسمح لها بتقديم برنامج على قناة يشاهدها قطاع من الجمهور؟!!.. ومن الذي سمح لها بتقديم مثل هذا البرنامج المستفز؟!!

ومنذ أيام خرجت فنانة ونجلها وهما يمارسان الرياضة بشكل أثار سخرية واستياء كثيرين، وهنا لا نعتب فقط على الجمهور الذي تطاول على الفنانة، بل نلوم أيضا الفنانة نفسها التي كان يجب أن تكون أكثر ذكاء وتدرك أننا في مجتمع يعاني من مرض التنمر، تنمر وعنصرية وجدت طريقها حتى لمن يرتدين «المايوه الشرعي»، فوجب عليها أن تعلم أن صورة خاصة مثل هذه ستعرضها للتنمر والإساءة.

إن الفنان أو المشهور عندما تسيطر عليه شهوة حب الظهور و«الشو» لدرجة تجعله لا يفرق بين نشر أعماله الفنية بشكل مشروع وبين فضح حياته الخاصة بشكل مهين هي التي شجعت بعض وسائل الإعلام على انتهاك حرمة حياته، فعلى المشاهير أن يكونوا حريصين كل الحرص فيما ينشرونه عن حياتهم الخاصة، فلا يجب أن تنشر الخلافات المنزلية أو العلاقات الزوجية التي مكانها بين جدران البيوت وليس في تسجيلات صوتية كما حدث مع والد المطرب المشهور وما نسب إليه من تسريبات عن علاقة ابنه بزوجته المطربة الشهيرة، بالأمس.

إن انتشار منهج البحث عن الفضائح وركوب الجانب السلبي من التريند بمعظم وسائل الإعلام الآن هو الذي جعل تناول الحياة الخاصة للمشاهير وجبة إعلامية دسمة عادية، وأصبح الإعلام يراقب خناقات الفنانين وعلاقاتهم، أكثر من أعمالهم الفنية التي هي الأجدر بالمتابعة والتغطية.

يجب تفعيل تشريعات إعلامية قوية تحفظ الحياة الخاصة للناس، سواء كانوا مشاهير أو من العامة، ويجب على هؤلاء المشاهير وغيرهم أن يدركوا نعمة الستر، وأن هناك مساحات معينة في حياتنا الخاصة يجب ألا تنشر، لأن ضرر ذلك أكثر بكثير من نفعه، وعلى وسائل الإعلام أن تتوقف عن استفزاز الجمهور بنشر أدق تفاصيل الحياة الخاصة للناس، ولو «التريند» سيظل يعزف على نغمة الحياة الخاصة، فليذهب إلى الجحيم هو وأتباعه.

26 يونيو 2021

القراءة كمان وكمان.. حكايتي مع عالم الكتب

 أيام قليلة وينطلق معرض القاهرة الدولي للكتاب في 30 يونيو 2021، هذا الموسم الذي يكون فرصة رائعة للعودة إلى عالم القراءة الواسع بعد أشهر يقضيها معظمنا بين أمواج الحياة اليومية المتلاطمة، ولقد بدأت تجربتي المتواضعة مع القراءة منذ المرحلة الابتدائية، عندما كنت أشتري الأعداد القديمة من مجلات بلبل وميكي وسمير وعلاء الدين، من رجل كان يفترش الأرض بجوار مترو السيدة زينب، وما زلت أذكر ملامح هذا الرجل حتى الآن رغم مرور سنوات كثيرة جدا، فقد كان يرتدي جلبابا وفوقه «جاكيت» ويعتمر على رأسه «شال»، ويستقر على وجهه شارب متوسط الطول والكثافة، وقد احتلت المياه الزرقاء إحدى عينيه، وكان يبيع أي مجلة بجنيه.

ثم اتجهت بعد ذلك إلى روايات الجيب، وخصوصا «رجل المستحيل» للراحل المبدع الدكتور نبيل فاروق، وكنت كلما أعجبني سطر أو جملة أقلب الكتاب لأنظر إلى صورة المؤلف نبيل فاروق على ظهر الكتاب، وكأنني أوجه التحية له على جمال الأسلوب والسرد والحفاظ على اللغة العربية الفصحى بمنتهى الإخلاص والبراعة، وكنت أستبدل أعداد «رجل المستحيل» الجديدة بالقديمة من سور كتب السيدة زينب بربع جنيه.

وإلى سور السيدة زينب حيث بدأت عاملا في بيع الكتب قبل سنوات عملي بالصحافة، وقتها كنت في السنة الأخيرة للجامعة، وإذا كانوا يقولون في الأمثال «طباخ السم بيدوقه» فما بالك ببائع الكتب والمعرفة؟.. كنت أنهل من كل كتاب بضع صفحات ومن كل بستان زهرة، هكذا كانت عادتي في القراءة فلا أذكر أنني انتهيت من قراءة كتاب «من الجلدة للجلدة»، إلا بضعة كتب، من بينها «الأمير» للإيطالي نيكولو ميكافيللي، والمجموعات القصصية للمبدع الراحل يوسف إدريس، وأبرزها «بيت من لحم»، وكتاب «مغامرات صحفي في قاع المجتمع المصري» لـ عبدالعاطي حامد، الصحفي بـ«أخبار اليوم» في فترة السبعينيات، وكتاب «النكتة السياسية» لـ عادل حمودة، وقرأت بعضا من «النحو الشافي» للأردني محمود حسني مغالسة، وأسعى للانتهاء من قراءته كاملا لأنه كتاب مفيد ومبسَّط.

الآن، وبحكم عملي محررا للديسك، فيوميا أقرأ آلاف الكلمات في المواد الصحفية التي أراجعها قبل النشر، وبالتبعية أقرأ عشرات الأخبار هنا وهناك لمتابعة الأحداث، وكل كلمة أقرأها أتعلم منها، فأصل في النهاية إلى نتائج مثمرة، كأن أكتب موضوعا أو مقالا، أو حتى أبني موقفا أو قرارا، وكل هذا بفضل القراءة التي هي غذاء العقل، فعقل لا يقرأ هو عقل هزيل أو ليس عقل إنسان من الأساس، فمن ضمن الفروق بين الإنسان والكائنات الأخرى أن «الإنسان كائن قارئ».

يا أمة «اقرأ»، علموا أولادكم أن السلاح الحقيقي والوجاهة الاجتماعية ليست في أحدث موديل من السيارات أو في التقليد الأعمى لبعض المشاهير من طريقة أزياء أو تصفيفات شعر أو طريقة كلام، إنما السلاح الحقيقي في أمة تقرأ.. السلاح الحقيقي أمام موجات غسيل الأدمغة والغزو الثقافي الذي يمارسه الغرب عبر الأفلام أو ألعاب الفيديو.. اللهم اجعلنا ممن يحرصون على القراءة.

24 يونيو 2021

شركة «المُحدِثين» المحدودة

  • عجيب ومستفز هو أمر الذين طفحوا على الساحة حديثا وعملوا فلوس من الهوا والضحك على الناس وعلى أنفسهم، فتكون نهايتهم إما السجن كما حدث مع حنين حسام ومودة الأدهم، أو يبقون خارج السجن يستفزون البسطاء باستعراض سياراتهم الفاخرة وزينتهم الزائلة، ثم يتهمون الناس بالحسد والحقد كما فعل بالأمس المدعو حمو بيكا!!

    وبعد أن كانت فضة المعداوي في مسلسل الراية البيضا هي التي تنادي وتقول «ولاااا يا حموووو.. التمساحة يلااااا»، أصبح «حمو» الآن هو الذي يمتلك أحدث موديل من السيارات ويخشى من الحسد و«بيخمِّس في وشنا كمان»، ويا للعجب!

    على ماذا سنحسدكم؟، هل أصبحت الحياة مجرد أموال وسيارات وشهرة فقط؟.. ماذا عن نعمة الستر والصحة وقضاء الحوائج بالكتمان الذي أمرنا الله به؟ وأن تعيش على قدر حاجتك فلا تطغى ولا تتجبَّر كما يفعل هؤلاء «المُحدِثون».

    من حق هؤلاء أن ينشروا ما يريدون على صفحاتهم الشخصية ولكن هناك حدودا لكل شيء حتى الحرية، فلا يجب أن تتعارض حريتك مع قيم المجتمع المصري المحافظ.. لا شتائم ولا عري ولا تحريض على العري أو العنف.. وفي نفس الوقت لا تتهم الناس مسبقا بالحسد والحقد على ما عندك لأن هناك نِعما أخرى عند هؤلاء الناس أنت محروم منها.. فلا أحد كامل.. وإذا كنت تخشى الحسد فلا تنشر شيئا من أساسه.. لأن زمان قالوا لنا إن «اللي بيخاف من العفريت بيطلع له»!

    21 يونيو 2021

    «رمضان الأب»

    في الحقيقة لا أحتاج كثيرًا إلى «يوم الأب» لأتذكر أبي الراحل وأفضاله بعد الله على العبد لله، فكل يوم أستدعيه في ذاكرتي هو ووالدتي الراحلة، وأقول «ربِ ارحمهما كما ربياني صغيرا»، فهذان العظيمان، الأب والأم، لا تكفي عشرات الكتب للحديث عن دورهما وكفاحهما في تربية الأبناء.

    ولـ«رمضان الأب» مواقف عديدة لن تمحوها الأيام، فهذا الرجل لطالما كنت أسمع دعواته ساجدا وهو يرجو من الله «دوام الرزق الحلال»، حيث إن «الأسطى رمضان» بعد خروجه على المعاش من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 1998 لم يتقاعس ويمكث في منزله ليلعب الدومينو أو الكوتشينة مكتفيا بالمعاش، رغم أنه حق مشروع لرجل تجاوز الستين عاما في ذلك الوقت، لا أقصد «الدومينو والكوتشينة» بالطبع إنما أقصد الراحة التامة والاسترخاء والاستمتاع بما تبقى من العمر، ولكن لأن يده اعتادت العمل والشقاء فواصلت السعي، وكان «رمضان الأب» يعمل كهربائيا، وهي المهنة التي امتهنها أثناء فترة عمله في الجهاز، وظل الرجل يتولى صيانة وتركيب الكهرباء للناس ويدخل بيوتهم ويحفظ أسرارهم ويصب تركيزه في «السلك أو اللمبة أو المفك التيست» الذي في يده مبتعدا عن حياة الناس الخاصة.

    بعض الناس كانت لا تقدِّر تعب «الأسطى رمضان» الرجل المسن الذي ظل يعمل في مهنة خطيرة وشاقة مثل الكهرباء حتى تجاوز السبعين من عمره، ففي يوم وجدته يقول لنا شاكيًا «طلعت 90 سِلِّمة واشتغلت وفي الآخر خدت 5 جنيه.. الحمد لله»، وكانت هذه الخمسة جنيه تحمل البركة للمنزل كله، فكنا نحضر عشاءنا بها، أو نشتري بها مستلزمات دراستنا في ذلك الوقت، وكأن دعوة «رمضان» بـ«الرزق الحلال» كانت مستجابة.

    كان والدي رحمه الله يتمتع بقوة بدنية، لا تقل شيئا عن قوة إرادته وإيمانه بالله، فكان السبعيني يحمل السلم الخشبي بذراع واحدة، وكان يمسك بالمطرقة ويضرب الحائط بيد لا تعرف الارتعاش، وأذكر أنه عندما شُرخت قدمي تحت عجلات سيارة أثناء لعبي الكرة، حملني على كتفه إلى «استقبال المستشفى» لعمل جبيرة لقدمي، ولعل هذه القوة والإرادة اكتسبها بسبب ممارسته للمصارعة الرومانية في شبابه ومشاركته في نصر أكتوبر 1973 حيث أصيبت ساقه بشظية تركت جرحا غائرا إلا أنها لم تسبب له أي إعاقة بفضل الله.

    على مائدة الطعام كان «الأسطى رمضان» يتناول طعامه سريعا ويسبقنا قائلا: «أنا آكل أكل الجِمال وأقوم قبل العيال»، ولكن إذا كان لدينا ضيوف يعدِّل مقولته قائلا «وأقوم قبل الرجال»، وكان إذا «اتقمص» أحدنا من الطعام ولم يعجبه يقول له «رمضان الأب»: «اللي ياكل على ضرسه بينفع نفسه» فتقع هذه المقولة كالسحر على أطفال في سننا فيتغير شكل الطعام في أعيننا ونجد أنفسنا نتناوله بنفس راضية.. هذا هو الأب الذي يفتح شهية أبنائه ويلقنهم درس القناعة بأبسط الكلمات.

    بعد تناول الطعام، كانت الأسرة تلعب الكوتشينة وتحديدا «لعبة الشايب»، لأنها أكثر لعبة كوتشينة خفيفة الظل وتناسب العائلة، وكانت أحكام «رمضان الأب» على الخاسر في اللعبة طريفة للغاية، فكان يقول له «يلا قوم اعمل لنا طقم شاي»، أو «قول أنا قرد»، وللحق أننا أصبحنا نفتقد مثل هذه الجلسات العائلية الطريفة التي ماتت الآن بسبب السوشيال ميديا والوسائل الحديثة التي أسيء استخدامها وأحدثت حالة من التفسخ الاجتماعي الرهيب.

    في المصيف كانت لنا أيام ممتعة مع والدي، مجرد تذكرها يخفق القلب وينعش الروح، كنا نذهب إلى جمصة أو رأس البر ضمن مصيف الجهاز المركزي للتعبئة العامة الذي كان يعمل فيه أبي، وكان الراحل غواصا ماهرا يغطس تحت الماء وتبحث عنه لتجده قد أطل برأسه من خلفك ضاحكا أو يرش الماء في وجهك ممازحا، فيكون اليوم الأخير في أيام المصيف بمثابة كابوس لأننا سنحرم من هذه اللحظات الممتعة الرائعة وننتظرها تعود في الصيف المقبل.

    أمام التلفاز كانت ذاكرة «رمضان الأب» ومعرفته لكل أسماء الفنانين حاضرة بقوة، وربما من الأشياء التي ورثتها عنه حب الفن الجميل ونجومه، كنا نجلس أمام الشاشة محدقين أعيننا فيفاجئنا الراحل «تعرفوا الممثل ده اسمه إيه؟».. «لا، اسمه إيه؟».. «عبدالرحيم الزرقاني».. «وده عايش ولا ميت؟».. «يوووووووه، ده مات وشبع موت».

    في أواخر عام 2011 اهتز «جبل الخير والإرادة»، أصيب والدي بجلطة نتيجة مضاعفات مرض السكر الذي أصابه لعدة سنوات، هزم المرض جسده إلا أنه لم يهزم إرادته فكان يحافظ على الصلوات بل إنه حاول ذات مرة أن يمسك بالمفك ويصلح كشاف «اللمبة النيون» مستعيدا أمجاده في الكهرباء، وكانت المفاجأة أنه نجح في تركيب اللمبة، حارب «رمضان الأب» المرض 5 سنوات (2011-2016) حتى التقى ربه في فجر يوم 1 فبراير 2016 وظل جثمانه الطاهر في منزله ليلة كاملة لأنه توفي في وقت متأخر، وكانت هذه فرصة لإلقاء نظرة الوداع والدعاء لهذا الرجل الذي رحل بعد أن أدى رسالته بإخلاص وصبر وقوة.. نَم قرير العين يا رمضان، فلقد تركت أبناء صالحين يدعون لك.