25 يوليو 2021

فيروس «دراكولا»

مؤخرا انتشرت موجة من العنف المجتمعي والأسري في بلدنا، فاحت رائحتها وظهرت في ذلك الفيديو البشع الذي يظهر فيه وحش آدمي ينهال على زوجته بعشرات الطعنات وكأنها قتلته من قبل فعاد إلى الحياة على طريقة «الزومبي» لينتقم منها ويقتلها بهذه الطريقة التي تقشعر لها الأبدان.

ماذا حدث للمصريين؟.. ما الذي يدفع أي كائن لأن يرتكب مثل هذه الجريمة؟.. هل هذه الدنيا الزائلة كلها تستحق أن نموت بحبال المشانق أو مقتولين أو منتحرين؟.. لماذا تنتشر جرائم القتل بين الأزواج؟.. إذا لم تكن راضيا عن زوجتك أو عن زوجك فلماذا اخترعوا الطلاق إذن ولماذا تزوجتما من البداية أصلا؟.. وإذا كانت زوجتك لا تريد العودة إليك فهذا اختيارها الذي يجب ألا تحاكمها عليه بالقتل كما فعل هذا السفاح بزوجته في بني سويف.

إن كثيرا من الشباب والفتيات أصبحوا يخشون فكرة الزواج لمجرد أنهم قرأوا وشاهدوا وسمعوا عن تلك الحكايات المرعبة التي ظنوا أنها ستظل مجرد أفلام ومسلسلات على شاشات الدراما والسينما، ليفاجأوا بأنها أصبحت واقعا مريرا!

يجب أن نعترف بأن مجتمعنا مريض بفيروس خطير.. فالعنف أصبح عادة يومية - ناهيك عن الانحلال الأخلاقي الذي أغرق منصات التواصل الاجتماعي بالصوت والصورة- هذا الفيروس الذي جعل من آدميين كثيرين «مصاصي دماء» لا يعرفون الرحمة، والقتل لديهم «أسهل من شكة الدبوس»، في الوقت الذي يصعب على الإنسان الطبيعي حتى مجرد سماع حكاية مرعبة عن زوج مزق جسد زوجته، أو زوجة قتلت زوجها بالتواطؤ مع العشيق، رغم أن القتل ظلم عظيم للنفس والغير وعقوبته مغلَّظة في الدنيا والآخرة، فاتقوا الله ولا تخسروا دنياكم وآخرتكم.

20 يوليو 2021

عيد زمان

قبل حوالي ٢٠ عاما أو أقل قليلا كان عيد الأضحى المبارك يأتي على مصر في الشتاء.. فتجد الشباب يسهرون في الوقفة ويتجمعون حول الأخشاب المشتعلة من أجل الدفء.. ولا بأس من بعض اللحم المشوي الذي يحضره "المقتدرون" في الشلة.

السهرة تمتد حتى صلاة العيد.. العجول في ساحة المسجد الخارجية تنتظر "ساعة الصفر" وسكين الجزار الذي ربما يكون أهون وأرحم من مضايقة "العيال" لحيوانات الأضاحي ومحاولات بعضهم ركوب العجل على طريقة "الماتادور الإسباني"!!

أحد المسنين يوبخ الصغار منفعلا "جرى إيه ياض إنت وهو.. خلاص مبقاش فيه رحمة حتى للحيوان؟!!".

والشهادة لله.. شتان بين عيال زمان و"مفاعيص" هذه الأيام.. زمان كانت مجرد شخطة كفيلة بأن يلزم كل عيل حدوده.. أما الآن فيكفي أن تعاتب أحد "المفاعيص" لينظر إليك من أسفلك لأعلاك قائلا "إيه يا عم فيه إيه"!!

وكانت هيبة الكبير حاضرة أيضا في صلاة العيد.. فهل يجرؤ أي عيل أن يمزح مع صديقه أثناء الصلاة؟.. بالطبع لا.. لأن فضيلة الشيخ علَّمهم أن الهزار أثناء الصلاة حرام.. ثم إن أحد الأسطوات لو علم أنهم فعلوا ذلك لن يرحمهم وسيريهم الويل كما يفعل مع صبيه المتمرد.

ومن أسوأ العادات الطفولية التي اقتحمت العيد.. معركة الرش بدم الأضحية والتي يفقد فيها جميع الحاضرين هيبتهم وهيبة ملابسهم.. وأيضا المسدسات الخرز التي تضرر منها الكبير والصغير وحولت الشوارع إلى "حرب عيالية"!!

"ده عيد اللحمة مش عيد فلوس العيدية".. الجملة التي صارت دستورا للعيد الكبير ومهربا ذكيا من دفع العيدية.. وعليك إذن انتظار اللحمة.

مساجد مصر في العيد كانت عامرة بمساهمات أهل الخير.. فتجد صواني الفتة واللحمة وقد اجتمع عليها الأهالي قبل زمن كورونا الذي فرق الجميع.

وفي أمسيات العيد تأتي الخروجات والفسح مع الشلة.. إلى ميدان التحرير ومول طلعت حرب ومركب على النيل.. كانت نزهة بسيطة وغير مكلفة ولكنها كانت غنية بسعرات السعادة والبهجة. 

طعم فرحة العيد زمان كان له عدة نكهات.. الآن وبسبب كورونا والتحديات الاجتماعية والاقتصادية فرضت بعضا من الملل على المشهد.. ملل ما زال بعض الأقوياء والصامدين قادرين على التكيف معه أو حتى تلوينه وتغييره كما يشاؤون.. بالتأكيد كل شخص يحمل ولو لونا واحدا من أصناف السعادة التي تضمن له البقاء على قيد الحياة.  

18 يوليو 2021

متلازمة تسريع الزمن

 أحيانا يكون عمرك 30 عاما أو 40 عاما إلا بضعة أشهر، ولكنك لا تقول 29 أو 39، وعلى طريقة موظف الكاشير أو البائع الجائل تغفل ذكر الأشهر أو «الفكَّة» مقللا من قيمتها وتبدأ في التقريب لأقرب رقم صحيح، وربما تقفز عدة أرقام وترفع نفسك من 35 لـ 40، رغم أن عمرك يقاس باليوم والساعة والثانية «على رأي عبدالحليم حافظ»!! 

إن الموسوعات الإلكترونية دقيقة جدا في هذه الحسبة ولا تعتمد سن الشخصية المشهورة كاملا إلا بعد مرور شهوره وأيامه كاملة، وكذلك وسائل الدفع الإلكترونية التي لن تمنحك الخدمة أو السلعة قبل سداد المبلغ كاملا بكوامله وأنصافه.. فلماذا صار الحاسوب أكثر دقة وأمانة من بعض البشر؟

لا شك أن اتجاهك لهذه المتلازمة، هو دليل واضح على أنك ترغب في مرور الأيام سريعا، ربما لقسوتها عليك أو لأنك شخص متعجل بطبعك «لا تطيق الانتظار» وتقول لنفسك «هل سأنتظر حتى شهر كذا وطالما أنها أشهر قليلة فما المانع من تسريع الزمن والوصول إليها قولا قبل الوصول إليها فعلا وواقعا؟».

إن تسريعك للزمن ربما يحمل دلالة أخرى، أنك تستمد قوتك من كبر السن، فأنت شخص مقهور غالبا وضعيف إلى حد ما، ولا حيلة لديك إلا أن تطلق رقما كبيرا على سنك ليمنحك بعضا من الهيبة المفقودة!!

هذا لا يعني أيضا من الناحية الأخرى أن تمنح نفسك عمرا أقل من عمرك الحقيقي، كما يفعل بعض المشاهير وخصوصا المتقدمين في السن منهم، فلا بد من الاعتدال والوسطية، فلا ترجع إلى الخلف ولا تقفز إلى الأمام، ولتخرج من آلة الزمن التي تظن نفسك تعيش فيها وتظن أنك تنتقل بها أينما شئت، ولتعش كل لحظة حالية في حياتك دون أن تحمل هم اللحظة الماضية التي لن تستطيع محوها، ولا اللحظة المقبلة التي لن تستطيع التنبؤ بها.

9 يوليو 2021

الارتقاء بالإنسان أهم من تطوير «الطوب»

 بالأمس، التقيت أحد سكان المدن الجديدة التي تبنيها الدولة وتنقل إليها سكان العشوائيات، و«فضفض» معي الرجل عن عدد من جرائم القتل والتحرش التي شهدتها المنطقة الجديدة التي يسكن فيها، فبعد أن ظن الرجل أنه نجا إلى الأبد من «جحيم العشوائيات» إذا بهذا الجحيم يلاحقه في مسكنه الجديد.. لماذا؟.. وأين المهرب من هذا الجحيم؟

إن الدولة عندما فكرت في «تطوير العشوائيات» كان مفهومها عنه ليس عميقا بالدرجة الكافية.. فلم تضع في حسبانها أيضا الارتقاء بالإنسان وتغيير الأفكار العدوانية عند سكان هذه «العشوائيات».. بالطبع نحن نعلم ونعي تماما أن الجريمة في كل مكان وزمان ولن تنتهي حتى تقوم الساعة.. ولكن مفهوم القضاء على العشوائيات يجب أن يكون أكثر شمولا، لكي نبني على أساس سليم، وحتى لا تتحول هذه المدن الجديدة تدريجيا إلى عشوائيات أخرى.

من القصص المفزعة التي حكاها ذلك الرجل عن منطقته الجديدة أن طفلين في سن العاشرة من عمرهما تشاجرا، فأمسك أحدهما بزجاجة وكسرها ثم غرسها في صدر الطفل الآخر فسقط قتيلا.. ما ذنب هذا الطفل القتيل؟.. بل ما ذنب الطفلين؟.. الطفل المتهم أيضا ضحية التربية الخاطئة والظروف المجتمعية الصعبة التي نشأ فيها.. أحد الطفلين خسر حياته في لحظة.. والآخر قد يخسر حريته إذا سُجن في «الإصلاحية» وقد يخسر أيضا حالته النفسية التي ستهتز بشكل كبير بعد هذه الجريمة البشعة وبعد سجنه.

حدَّثني الرجل أيضا عن تعرض ابنته الصغرى لمضايقة من أحد الصبية في هذه المساكن الجديدة، فبينما كانت تمشي في الشارع نادى عليها ذلك الصبي فلم تجبه، فإذا به يمسك يدها فجأة فانتفضت الفتاة وهرولت لتشكو لأبيها الذي انتوى تحرير محضر لهذا الصبي ولكنه لم يفعل بسبب أن والدي الصبي توسلا للرجل حتى يتنازل ويصفح عن ابنهما وأنه «عيل وغلط» فوافق الأب بشرط أن تصفع ابنته الصبي على وجهه، فلما صفعته تنازل الرجل استجابة لتوسلات الأبوين.

هل هذه الجرائم وغيرها وهذا الرعب اليومي يمكن أن نسميه قضاء على العشوائيات؟.. إن التطوير ليس في تلوين الحجارة ورصف الطرق وتأثيث البيوت بأرقى الأثاث.. ما فائدة ريش النعام إذا كان ينام عليه الأفاعي والذئاب؟.. إن التطوير ليس تغيير الحجارة بل تغيير النفوس والقلوب التي صارت كالحجارة أو أشد قسوة، وهنا يجب تفعيل مهام المدارس ودور العبادة ومنظمات المجتمع المدني ومراكز التأهيل، والأسرة نفسها يجب أن تُحسن تربية الأبناء، حتى نقضي تماما على العشوائيات التي بداخل بعضنا.

5 يوليو 2021

أمراض «صاحبة الجلالة»

أكتب هذه الكلمات.. وأنا مَن أنا؟.. أنا ما زلت طفلا يحبو في بلاط صاحبة الجلالة.. 10 سنوات في مهنة عمرها مئات الأعوام لا يعني الكثير.. كما ينقر العصفور من البحر.. مهنة الصحافة ذات القواعد والجدران الراسخة القوية التي درسناها على مدار 4 سنوات جامعية.. ولكن ها هي الجدران باتت «مشروخة» والأعمدة تهتز.. فماذا حدث لمهنة «السلطة الرابعة»؟

الدخلاء وغير الأكفاء الذين تصدروا المشهد، وأبرز مثال تلك «الحِشرية» التي تدَّعي «النضال» وهي تخوض في حياة الناس الخاصة وتقتات على أسرار بيوتهم، وبدلا من أن تحمل قلما ومصباحا ينير الطريق تمسك بمعول هدم لحياة الناس، وهي تذكِّرنا بذلك المغمور الذي حقق شهرة زائلة على حساب تلويث سمعة المرحوم نور الشريف وعدد من الفنانين، ويبدو أن هذه «المدرسة الرخيصة» تحولت إلى «تنظيم مخيف» يظن أن الصحافة مهنة البحث عن الفضائح لدرجة أن هذا هو المفهوم الذي ترسخ عند بعض الناس عن هذه المهنة الراقية.

الانحراف عن منهج التعبير عن هموم الناس واللهث خلف «التريند» وخصوصا في الصحافة الإلكترونية.. وباتت عبارة «أصلها طالعة تريند» هو صك الغفران أو التأشيرة التي يمر من خلالها توافه الموضوعات وأكثرها ابتذالا «في زحمة التريند»، وأصبح الصحفي وخصوصا رجل الديسك مجرد موظف عند «التريند» ويهز رأسه إيجابا كلما سمع كلمة «أصلها تريند»، وتحول الديسك إلى «عسكري مرور» يفتح الطريق لجميع السيارات بدلا من أن يكون محكِّما وفاصلا في المادة الصحفية، وإذا فكر في الاعتراض فسيكون غريبا على «المنظومة الجديدة».. منظومة «التريند»، وستلفظه وتطرده على الفور.

الأزمات المالية المتلاحقة التي تضرب المؤسسات الصحفية، والتي ازدادت حدتها مع تفشي وباء كورونا، ومع الاجتياح التكنولوجي الرهيب في شتى المجالات ولا سيما في الصحافة، فوجئنا أمس بقرار تحويل الصحف القومية المسائية إلى إصدارات إلكترونية، وهو قرار مؤلم من الناحية المادية لأنه يعكس الأزمات المالية لهذه الصحف وما قد يسببه القرار من الاستغناء عن بعض العاملين بالإصدار الورقي أو التأثير سلبا على رواتبهم، كما أنه مؤلم من الناحية النفسية لأولئك الذين «ارتبطوا» بالإصدارات الورقية وما تقدمه من تحليلات وآراء وما وراء الخبر.

حالة القهر التي تمارس داخل بعض المؤسسات، حيث لا مكان لكفاءة أو أقدمية، إنما الكارت الرابح يكون من نصيب الشللية.. النفاق.. الكلمة المعسولة.. المظهر الجذاب.. الفهلوة.. الصوت العالي.. فلا بد أن يكون لك «مخالب» لكي تستطيع أن تدافع عن حقك بضراوة شديدة، وتظهر «العين الحمراء» لكل من يجرؤ على المساس بحقك أو مكانتك التي تستحقها بكفاءتك وأقدميتك.. أو أن تكون «ثعلبا» يجيد المراوغة والمداهنة لتحقيق المكاسب، أما إذا كنت مِثاليًا وعَمَليا فلا تتوقع أن يأتي إليك حقك راكعا، وستظل مقهورا ويائسا وسيقل شغفك وتذبل روحك.. وهو المرض الذي أصاب معظم المؤسسات الصحفية بسبب الشللية والقهر وعدم تحقيق العدالة في المناصب والأجور.

هذا غيض من فيض، فالصحافة كأي مهنة تعاني من أزمات وأمراض، وفي الوقت ذاته هناك نماذج مشرفة وكوب نصف ممتلئ يبعث على التفاؤل في المهنة، وكل من يعمل في بلاط صاحبة الجلالة بالتأكيد لديه مآسٍ وأوجاع وهموم أكثر من تلك التي ذكرتها، إن مهنتنا اسمها «البحث عن المتاعب» فلا يجب أن تكون هي أيضا في حد ذاتها مليئة بالمتاعب.. إن حياة وصحة الصحفيين الجسدية والنفسية تواجه المخاطر إذا استمر العمل في هذا المناخ القاتم.

3 يوليو 2021

يا اللي ظلمتوا الصيف

 بدايةً أقول إنني قبل الشروع في كتابة هذه السطور، تخيلت كم الهجوم والاستياء الذي سأتعرض له، بسبب حديثي بشكل إيجابي عن «بعبع الصيف»، بل إنني تخيلت أن أحدهم قد يتقدم ببلاغ ضدي لأنني انحزت إلى الصيف الذي يعتبره البعض «كيانا إرهابيا»!، وقد يتطور الأمر إلى محاولة اغتيالي!.. أو على أقل القليل أحظى بكمية لا بأس بها من «أغضبني» على غرار «دكتور كلية العلوم» الذي ثار عليه طلابه المظلومون!!

ولكن.. الحق أقول، تعالوا ننظر إلى الحكمة الإلهية من خلق الصيف وبالتأكيد سنجد مميزات لهذا الفصل الصعب، الذي لم يخلقه الله عبثًا، وحاشاه سبحانه وتعالى أن يخلق شيئا عبثا، فكما أن مولانا خلق الليل بسكونه وهدوئه وجلسات السمر والمرح بين العائلة والأصدقاء ثم الخلود إلى النوم والراحة، خلق أيضا النهار من أجل أن تدور عجلة الدنيا ونعمل ونكسب أرزاقنا الحلال التي بها نحيا، وكما خلق الرجل بطباعه الشديدة خلق الأنثى بطباعها الرقيقة، وكذلك خلق الشتاء ببرده القارس وخلق الصيف بحرارته الرمضاء.

وفي الصيف تنمو العديد من الفواكه التي اتخذها هذا الفصل بشكل حصري لأنها تتطلب درجة حرارة عالية، ومن أشهرها المانجو والبطيخ والخوخ وهي كلها فواكه تمد الجسم بالعديد من الفيتامينات الضرورية، وفي الصيف نتناول المشروبات شديدة البرودة والمثلجات بطعمها اللذيذ وهو ما لا نستطيع فعله في الشتاء بالتأكيد وإلا أصبنا بنزلات برد.

في الصيف نرتدي أبسط الثياب «اللي على الحبل» ولا نضطر إلى التكلف والبحث عن الجاكيت والبلوفر والقميص و«البوت» و«الشوز» وحفنة من الملابس كما يحدث في الشتاء، فقط «شورت وفانلة وكاب» تكفي للغرض.

يأتي الصيف ويبدأ معه موسم المصيف الجميل ونستعيد ذكريات «مصيف العائلة» ونقضي أحلى اللحظات بين الرمال الذهبية والبحر الصافي، أو تحت «دُش» منزلنا المتواضع أو داخل «البانيو»، في حال عدم توافر الوقت أو المال من أجل المصيف!!

ولطالما كان الصيف ملهمًا لعالم الفن، فنجد مثلا «في الصيف لازم نحب» فيلم مصري كوميدي صدر عام 1974، الذي ضم نخبة من ألمع النجوم، ومن قبله «البنات والصيف» عام 1960 من تأليف إحسان عبدالقدوس وإخراج ثلاثة من ألمع المخرجين وهم فطين عبدالوهاب وصلاح أبو سيف وعز الدين ذو الفقار، ونجد أيضا فيروز وهي تتغنى قائلة «حبيتك بالصيف.. حبيتك بالشتا».

الخلاصة، أنا أحب الصيف كما أحب الشتاء والربيع والخريف، وأحب كل أيام الأسبوع أيضا ولا أتشاءم من يوم الثلاثاء كما يفعل البعض، لأن الزمان من مخلوقات الله التي جعلها من أجل سعادتنا ومن أجل أن نعيش في بيئة يغلب عليها التنوع، فتخيل لو أن الدنيا شتاء فقط سنتجمد ولو أنها صيف فقط سنموت من الحر، ومن هنا جاءت الحكمة الإلهية التي هيأت لنا هذا التعاقب والتنوع الإبداعي الجميل.. فسبحان الله والحمد لله.

1 يوليو 2021

«مَشرط» وإخوته

يحفظ جيل التسعينيات عن ظهر قلب، مسلسل الكارتون «بكار»، الذي أبدع في تأليفه الكاتب عمرو سمير عاطف، ومن إخراج منى أبو النصر، ويتناول المسلسل شخصية خيالية لطفل من أسوان يحب بلده وأسرته وأصدقاءه، ويتصدى في سبيل ذلك لأحد لصوص الآثار ويُدعى «مَشرط» والذي يدبر الحيلة تلو الأخرى من أجل سرقة تاريخ مصر الأثري وبيعه لـ«الخواجات».

ولقد أبدع القائمون على العمل في رسم شخصية «مشرط» شكلا ومضمونا، وإضفاء أسلوب ساخر لشخصيته الساذجة الشريرة غير المكترثة ببيع تاريخ مصر للخارج، وإنما كل همه «الفلوس» التي جعلته يُربي لحمًا من الحرام في جسده الممتلئ.

«مشرط» كان فكرة، والفكرة لا تموت، بل إن هذه الشخصية الخيالية كانت انعكاسا واضحا للمجرمين الآن في أرض الواقع، الذين يظنون أن الآثار آثارهم والفلوس فلوسهم والدفاتر دفاترهم، وأسسوا في سبيل ذلك شبكات من المافيا التي صارت أشبه بوحش له رأس أو عدة رؤوس وذيول.

هذه الشبكة أو الشجرة هي المكون الأساسي لعالم الجريمة المنظمة العالمية السري، حيث يكون على رأس الشبكة الإجرامية «زعيم» وغالبا يكون شخصية معروفة في المجتمع ومؤثرة ولكنها تختبئ خلف عدة ستارات، مثل الأعمال الخيرية أو الحصانة البرلمانية أو «العلاقات العامة التقيلة» وغير ذلك، ويعاونه مجموعة من «صغار الحرامية» الذين يأتمرون بأمره ويقتاتون من فتات جرائمهم جميعا التي يذهب نصيب الأسد من مكاسبها الحرام إلى «رئيس العصابة».

كل حرامي وكل فرع من الشجرة في العصابة له دور، ففي عالم تهريب الآثار مثلا بالتأكيد هناك فرع لتحديد ورصد مكان الخبيئة الأثرية، ثم يأتي دور فرع الحفر لاستخراج الآثار أو سرقتها إذا كانت في متحف أو معبد أثري، ثم دور فرع التغليف والإخفاء والذين يتفننون في إخفاء الآثار عن أعين الأمن والشرفاء من الناس، استعدادا للمرحلة الأخيرة وهي مرحلة التهريب للخواجة الذي سيدفع بالعملة الصعبة من أجل سرقة تاريخ مصر والإتجار به والتربح منه.

وما يؤكد أن عملية تهريب الآثار هي جريمة منظمة بامتياز، أننا نطالع يوميا عشرات الأخبار عن أشخاص في معظم أنحاء البلاد لقوا مصرعهم أثناء البحث عن آثار بسبب سقوط الردم فوق رؤوسهم، بجانب ما ظهر في قضية البرلماني المشعوذ والتي كشفت تورط أحد رجال الأعمال المشهورين في تمويل جريمة سرقة آثار مصر.

إن جريمة التنقيب وسرقة آثار مصر لا تختلف شيئا عن الإرهاب الذي حاربته مصر لسنوات طويلة، إن سرقة التاريخ هو سطو خبيث على كيان وكرامة الوطن، بل هو أشبه بالاغتصاب والاحتلال.. يجب أن نتصدى بكل قوة لـ«مَشرط وإخوته».