30 مارس 2023

يوميات رمضانية (5).. سيبها على الله وتوكَّل

في رمضان وفي غير رمضان، دستورنا في الحياة وشعارنا هو «سيبها على الله»، هذه العبارة صغيرة المبنى عظيمة المعنى، التي تحمل في طياتها ومعناها التسليم والاعتراف والإيمان بقدرة الله العظيمة، وفي الوقت ذاته تحمل التواكل والتقاعس والتكاسل إذا لم نحسن فهمها واستخدامها.

إن الأنبياء أنفسهم أدركوا المعنى الصحيح للتوكل على الله حق توكله فرزقهم كما يرزق الطير، كانوا يعملون ويأخذون بالأسباب ويجتهدون، ولا يجلسون مكتوفي الأيدي في قضاء حوائجهم بل وحوائج أهلهم وأقوامهم، فها هو نبي الله نوح يبني السفينة بنفسه رغم سخرية قومه منه، ونبي الله داود يصنع الدروع، ونبي الله موسى يضرب بعصاه البحر فينفلق شطرين وينقذ قومه من بطش فرعون، ومسك الختام النبي محمد رسول الله كان يعمل بالتجارة ورعاية وتربية الأغنام ويدعو إلى الله ويرعى أهل بيته، ويقود بنفسه الغزوات للدفاع عن الأمة الإسلامية والمستضعفين من بطش الباطشين وأعداء الدين، والكثير والكثير من قصص الأنبياء والمرسلين.

هل كان للسفينة أن تُبنى وحدها؟، أو الدروع تصنع بدون عمل؟، أو البحر ينفلق دون تدخل؟، أو ينتصر المسلمون في غزواتهم دون قائد يشد من أزرهم؟.. كان من الممكن -بقدرة ومشيئة الله- أن يحدث كل هذا دون جهد من الأنبياء الذين هم أطهر الخلق.. ولكن الله يعطي درسًا للبشرية بضرورة السعي والأخذ بالأسباب والتحرك ولو بقليل من الخطوات والمجهود.

لطف الله وكرمه حاضر دائما، وأرزاقنا مكتوبة منذ أن أوجدنا الله في بطون أمهاتنا، ولكن السعي مطلوب أيضا وشرط ضروري لإتمام وقضاء الحاجة.

إن مصطلح «سيبها على الله» نحتاج إلى التعامل معه بشيء من الحيادية، فلا نتقاعس ونتكاسل ونحن نطلب أرزاقنا وحوائجنا وفي الوقت ذاته نكون مؤمنين إيمانًا تامًا بأن الله لن يتخلى عنا أبدًا وسيدبِّر ويختار لنا كل خير إذا أحسنا الظن به والتوكل عليه.. «سيبها على الله وتوكَّل».

27 مارس 2023

يوميات رمضانية (4).. أنا برضه من السيدة

وُلدت وقضيت عمري حتى الآن في حي السيدة زينب العريق بالقاهرة، فقد وُلدت لأب من هذا الحي العريق أبًا عن جد، أما والدتي- رحمها الله- فهي من ريف محافظة الدقهلية ولكنها قضت نصف عمرها في السيدة زينب، وبهذا أجمع في جيناتي بين جدعنة وشهامة الحي الشعبي وبساطة وطيبة الريف المصري.. وأتمنى فعلا أن أكون متحليًا بهذه الخصال.

حي السيدة زينب نشير إليه فقط بـ«السيدة» وليس «السيدة زينب» تكريمًا لمقام هذه السيدة الكريمة الطاهرة، وتأكيدا على تميز هذا الحي وشهرته بالمقارنة بغيره من الأحياء التي تبدأ بـ«السيدة» مثل «السيدة نفيسة والسيدة عائشة».

لا أعرف ما سر ربط حي السيدة زينب بالبلطجة و«الشبحنة» والجريمة؟.. هل ساهمت في ذلك بعض الأعمال الفنية وأخطاء البعض الذين استعانوا بالبلطجية في زمن من الأزمان؟.. بحكم أنني أعيش في هذا الحي أقول نعم في وقت من الأوقات كان هناك بعض الأسماء المرعبة والخناقات الكبيرة والعائلات والنفوذ في حي السيدة، ولكن ولأن دوام الحال من المحال فالأمور الآن صارت هادئة كثيرا عن الماضي، وهناك الكثير من المحترمين والمرموقين الذين يعيشون في هذا الحي العريق منذ زمن طويل. 

أتذكر قديما أحد العناصر الخطرة كان يدخل أجدعها فرح ويقلبه على مزاجه، ويتحكم في الدي جي، فيأتمر الغلبان المسؤول عن الدي جي بأمره ويشغل لهذا «الشبيح» ما يريد من أغانٍ، ويجلس صاحب الفرح لا حول ولا قوة له، في حين أنني وخمسة آخرين نشعر بحالة عجيبة تجمع بين الحزن والغضب والكوميديا!!

هذه هي سلبيات حي السيدة والأحياء الشعبية التي تركز عليها بعض الأعمال الفنية، وتغفل الإيجابيات الموجودة هناك، مثل احترام الكبير وثقافة «لما عم الحاج يعدِّي كله يوقَّف لعب يهدِّي»، وأيضا ثقافة التكافل الاجتماعي وعطف المقتدر والغني على الفقير المحتاج، وثقافة التدين الموجودة هناك بحكم أن السيدة منطقة دينية قبل أن تكون شعبية، كما أنها منطقة ترفيهية، حيث إن فيها الكثير من المطاعم والمحال الشهيرة التي يمكنك التسوق وقضاء وقت رائع فيها، كما أن الكثير من المشاهير نشأوا وترعرعوا في السيدة مثل شيخ الملحنين سيد مكاوي ولاعب الأهلي مختار التتش ولاعب الزمالك عبده نصحي، وغيرهم الكثيرون، وإيجابيات أخرى كثيرة في حي السيدة، بجانب أن السلبيات التي ذكرتها أصبحت شبه منعدمة بسبب تغير الأشخاص أو حتى زوالهم.

إن الجريمة والبلطجة ظاهرة سلبية موجودة في جميع أنحاء العالم، حتى في أرقى الدول وأكثرها تقدمًا، وليس فقط في الأحياء الشعبية، ولكن بعضنا ينظر إلى نصف الكوب الفارغ دون اجتهاد أو مواكبة للتغيرات والتطورات التي تحدث، والمسؤول الأبرز عن ذلك كما ذكرت هو بعض الأعمال الفنية التي اتخذت من هذه السلبيات «سبوبة دائمة» على حساب استمرار تشويه الآخرين.. فيا أيها الفنانون والإعلاميون ويا أيها الناس توقفوا عن هذه النمطية وكونوا حياديين وواقعيين بالله عليكم!

26 مارس 2023

يوميات رمضانية (3).. شكرًا من هنا لبكرة

كنت في إجازتي الأسبوعية بالأمس، دعاني أخي للإفطار في بيته، من منطلق أن رمضان شهر اللمة، ركبت خلفه على الموتوسيكل، وانطلقنا، وكم كان بعض الطريق غير ممهد، وشعرت بأننا نلعب لعبة «بيبسي مان» التي كنا نلعبها على البلايستيشن قديما، وتعتمد على تفادي الحفر والحواجز والأفخاخ!!

وفي هذه الساعة من اليوم تحديدا تتحول السيارات إلى أسراب وقطعان تسير بشكل متزاحم وسريع من أجل الوصول للمنازل في أسرع وقت وتناول الإفطار، والحكيم في هذه اللحظات هو من يكظم غيظه ولا يشتبك مع واحد من هؤلاء المتسرعين المتزاحمين حتى يمر اليوم بسلام.

وازدادت مهمتنا صعوبة عندما توقفنا عند بعض المحال والمطاعم لشراء بعض مستلزمات ومأكولات وجبة الإفطار، فتحميل شخصين، فضلا عن بعض المستلزمات على موتوسيكل واحد، هو شيء صعب نسبيًا، ولكن قيادة أخي للموتوسيكل بشكل جيد ومرن لعبت دورا في إنجاز المشوار والوصول إلى البيت.

في البيت جلسنا في انتظار أذان المغرب، وقد تراصت حولنا أكواب التمر والسوبيا في انتظار اللحظة المنتظرة.. لحظة الإفطار، وكم كانت لحظات رائعة سادتها الأجواء العائلية الممزوجة بطعم رمضان واللعب مع أطفال أخي، وفعلا كما قال حسين الجسمي «رمضان في مصر حاجة تانية والسر في التفاصيل»، والحقيقة أنني لم أجرب رمضان خارج مصر لأنني لم يكن لي حظ من السفر إلى أي بلد.

في نهاية اليوم ذهبت مع أخي في زيارة خاطفة وسريعة لابنة عمتنا، ثم أصر أخي على توصيلي إلى مقر عملي حيث كان عندي شيفت سهرة، وركبنا الموتوسيكل ونزلت عند باب الشغل، وتأكدت أن فعلا «في حياتنا ناس هما الأساس»، ووجدتني أقول عبارة عمرو دياب في إعلانه الرمضاني الجديد «شكرا من هنا لبكرة»!!

24 مارس 2023

يوميات رمضانية (2).. فين قهقهة الضحكات؟

بعد أن تناولت السحور بالأمس، وقرأت وِردًا من القرآن الكريم، عدت إلى عالم الدنيا وجلست أمام شاشة الكمبيوتر بحثا عن مسلسل كوميدي يقتل مرارة وعبء ضغوط الحياة اليومية، ولأستعيد زمن الضحكة الحلوة بتاع زمان.

شاهدت حلقتين من مسلسلين، لن أذكر اسمهما حتى لا يكون الأمر وكأنه موجه مع أو ضد هذين المسلسلين، ولم تصدر مني قهقهة واحدة، أو قهقهة الضحكات كما قال الفنان أحمد سعد!!.. الحقيقة كنت طمعانا في أي قهقهة ولكن اكتفيت بابتسامة أمام كل محاولات الإضحاك و«الزعيق» والإفيهات شبه المكررة والتي نستعملها في حياتنا اليومية دون مسلسل أو يحزنون.

بالكاد ارتسمت على شفتي ابتسامة، فحمدت الله أنني حصلت على نصيبي من السعادة، وتساءلت «ما الذي حدث؟.. لماذا لم أقهقه؟.. هل أصبح دمي ثقيلاً ولا يعجبني شيء؟.. أم أن المشكلة في العمل الفني المقدم؟»، ولكنني وجدت شبه إجماع على حالة الفقر الكوميدي التي نعاني منها حاليا!!.. ومع ذلك ما زلت غير متأكد ولا أعرف هل هو فعلا «فقر كوميدي» أم العيب فينا نحن المستمعين والمشاهدين؟، وأننا متسرعون أو طماعون أو ربما ظالمون في حكمنا على هؤلاء الممثلين!!

قديما كان هناك برنامجان للمقالب، واحد اسمه «الكاميرا الخفية» للفنان الراحل إبراهيم نصر وكان يذاع بعد الإفطار في رمضان، والثاني اسمه «إديني عقلك» كان يذاع أثناء السحور، وأتذكر أن والدي-رحمه الله- كان يقهقه ضحكا حتى يسعل وهو يشاهد هذين البرنامجين، وأيضا والدتي -رحمها الله-كانت تقهقه ضحكا حتى تضيق عيناها وتدمعان أحيانا، ولأن الضحك معدٍ فكنت أضحك أنا الآخر، ليس فقط على ضحك والدي ووالدتي ولكن لأن تلك الأعمال الفنية كانت بسيطة ومفهومة ومباشرة.

إن الضحك من الأشياء العظيمة التي خلقها الله في حياتنا «وأنه هو أضحك وأبكى»، الضحك الذي يستهدف إسعاد الناس دون تنمر أو سخرية أو استهزاء من أحد أو أي خروج عن الآداب.

البعض يرى أن نشر الضحك والكوميديا أصعب بكثير من نشر البكاء والتراجيدي، فيا عزيزي الكوميديان أنت أمام مهمة احترافية صعبة، إما تكون «قدها وقدود» وإما أن تنسحب مشكورا.. وأيضا يا عزيزي المشاهد احصل مؤقتا على نصيبك من السعادة وأنت راضٍ حتى ولو كانت مجرد ابتسامة وليست «قهقهة الضحكات»!!

23 مارس 2023

يوميات رمضانية (1).. ثنائية الفطار والشغل

يرتبط شهر رمضان بالعديد من المميزات والسمات التي تميزه دون سواه من شهور السنة، فبجانب أنه شهر القرآن والعبادات والحسنات والخير والرحمة، هو أيضًا شهر القوة والتحمل، وكما نعلم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، كما قال رسولنا الكريم، ومن هذا المنطلق كتب القدر على الكثيرين أن يتناولوا إفطارهم في العمل سواء أول يوم رمضان فقط أو بعض أيام رمضان أو طوال أيام الشهر الكريم.

والحقيقة أن تناول الإفطار في العمل ليس تكديرا ولا «استقصاد» ولا حاجة من هذا القبيل.. بل يمكن أن نعتبره تغييرا وتجديدا في نمط الحياة التقليدي الروتيني المعتمد على تناول الطعام في البيت، وإحياء لميزة أخرى من مميزات رمضان والتي تميز روح رمضان عن روح أي شهر آخر وهي روح «اللمَّة» وتقوية الروابط الاجتماعية مع الزملاء، وأيضا استحضار لروح «المحارب على الجبهة»، فأنت في جبهة العمل الذي تمارسه من أجل خدمة الآخرين وسعادتهم تضحي بوقتك وسعادتك بين أسرتك لتقضيه في ضغوط العمل متناولا إفطارك بمنتهى الصبر والرضا.

ويا سلام لو اجتمعت حولك مجموعة من الحيوانات الضالة البريئة المسكينة وأنت تتناول إفطارك في عملك فتعطف عليها وتعطيها «العظم» أو بواقي الطعام فتفوز برضا الله، وتحصل على حسنات تصلك إلى موقعك دون تعب منك أو مجهود في وقت نحن أحوج فيه إلى رضا الله.

باختصار، نحن نستطيع أن نرى الجمال والبساطة في أصعب الأشياء والمواقف، وأن نستخرج المميزات والإيجابيات من باطن المعاناة، وأن نواجه صعوبات الحياة وتحدياتها بابتسامة رضا ونفس متصالحة سالكة مع الحياة.. وكل رمضان وأنتم سالكون وراضون وصامدون.