9 أبريل 2023

يوميات رمضانية (6).. هذا ما حدث في جمصة!

كلما ذُكرت كلمة جمصة تنتابني القشعريرة وأشرد بخيالي عائدا إلى الزمن الجميل واللمَّة الحلوة، عندما كان أبي الراحل - رحمه الله- يأخذنا في رحلة إلى تلك المدينة البسيطة التي هي «مصيف الغلابة» والتي تقع في محافظة الدقهلية التي تنتمي إليها أمي الراحلة - رحمها الله.

كان الطريق إلى جمصة يبدأ إما من مسكننا في السيدة زينب، أو أثناء زيارتنا لأقاربنا في الدقهلية، نذهب مستقلين أتوبيس يضم عددا من موظفي الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وعائلاتهم، حيث كان أبي يعمل كهربائيا بالجهاز قبل خروجه للمعاش في عام 1998، وكنا نذهب إلى مصيف تابع للجهاز.

كم كانت الأجواء في أتوبيس جمصة كلها ود ومرح واحترام متبادل بين هذا الكم من العائلات المتباين فكريًا واجتماعيًا، أحاديث كثيرة كانت تدور عن «العيال في سنة كام؟.. واتفضل ساندوتش حلاوة طحينية.. وكوباية مية ساقعة من الكولمان».. ولا بأس من بعض النكت.. أيام ما كان فيه نكت وكانت النفوس بسيطة وراضية.

الشقق التي كنا نستقر فيها بمصيف جمصة كانت «بين البينين»، فلا هي بالفارهة الوثيرة المترفة ولا هي بالبائسة المقفرة المقرفة، وإنما كل شيء فيها كان آدميًا ومؤديًا لأغراضه على أكمل وجه، وأذكر أن الشقة كان فيها شمسية وكرسيين للشاطئ، وكانت هناك حديقة جميلة ما زلت أذكر رائحة ورودها، أمام العمارة التي تحوي عددا من الشقق التي استقر فيها موظفو الجهاز بعائلاتهم.

كنا نحضر معنا في رحلة جمصة الكوتشينة والدومينو ونلعب لعبة «الشايب وأحكامه»، وكم كانت أحكام أبي كوميدية مضحكة، كأن يقول للمحكوم عليه «قول أنا قرد» أو «اعملنا طقم شاي» أو «لف لفة في الشقة كلها»، وكنا نجلب معنا أيضا ترمس الشاي الذي يحتفظ بحرارة السوائل بداخله لنشربها على البحر.

وأتذكر ذلك البيت البسيط الصغير الذي بنيته على الشاطئ عن طريق قالب الرمل داخل الجردل وحفرت ثقوبًا به وكأنها نوافذ وأبواب، واشترك معي أخي ومجموعة من أبناء أحد زملاء أبي، وما زلت أتذكر «أم الخلول» و«الخد الجميل» والدرة والبطاطا والجيلاتي والمشبك، وخروجة المساء في شوارع جمصة، والترسة التي رأيتها تسبح في طست عند أحد المحال.

في نهاية الرحلة دائمًا ما كنت أتمنى أن تعود إجازة الصيف سريعًا مرة أخرى بعد زحمة المدارس التي تخطفنا من هذه الرحلة الجميلة في جمصة.

ليست هناك تعليقات: